Latest Post

صيام يوم عاشوراء

صيام يوم عاشوراء
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله علي سيدنا
محمد وعلى اله وصحبه وسلم، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم
الحكيم، وبالسند الصحيح المتصل إلى إمام المحدثين أبي عبد الله محمد بن
إسماعيل بن بردزبة البخاري الجعثي مولاهم رحمه الله تعالى نفعنا الله به
وبكم وبسائر الصالحين إلى يوم الدين، قال: باب صيام يوم عاشوراء


نص البخاري


بَابُ صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ


- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ
بْنَ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَوْمَ عَاشُورَاءَ عَامَ
حَجَّ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ
عُلَمَاؤُكُمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَقُولُ هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يَكْتُبِ اللهُ عَلَيْكُمْ
صِيَامُهُ وَأَنَا صَائِمٌ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ
فَلْيُفْطِرْ


في هذا الحديث استمرار لما مر ذكره في المجلس الماضي فيما يتعلق بسنة
صيام يوم عاشوراء، وقد مر معنا أنه كان فريضة واجبة قبل أن يفرض صوم شهر
رمضان، فلما جاء الأمر من الله بصيام شهر رمضان صار صوم عاشوراء مندوباً
وليس بواجب وهذا الحديث، وهذا الحديث الوارد في المجلس يؤكد ذلك، وهو أن
معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما خطب في السنة التي حج فيها في يوم
عاشوراء، أي بعد انتهى موسم الحج، وقال: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ
عُلَمَاؤُكُمْ ؟


وفهم الشراح من هذا التساؤل أن معاوية بن أبي سفيان استغرب من قلة صيام
يوم عاشوراء وكأن الناس تناسوا ذلك، فأراد أن يذكرهم بسنية صيام مثل هذا
اليوم، فكأنه استنكر عليهم إهمال هذه السنة، فقال يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ
أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يَكْتُبْ اللَّهُ
عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ وَأَنَا صَائِمٌ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ
شَاءَ فَلْيُفْطِرْ.


استنكار معاوية إهمال الناس في سنة صيام يوم عاشوراء



واستشكل البعض قول معاوية أنه لم يكتب الله عليكم صيامه، وقد مر معنا
أنه كان في البداية فريضة ثم نسخ فكيف لم يكتب؟ وذلكم لأن معاوية بن أبي
سفيان قد أسلم بعد الفتح ولم يكن من السابقين إلى الإسلام  فلم يدرك العصر
الذي كان فيه صيام يوم عاشوراء مفروضاً، فإما أن يكون قد جهل هذا الأمر
لأنه لم يكن مسلماً في ذلك الوقت، وإما أن يكون علمه وإنما أراد  بكلامه
هذا أنه لم يستقر الأمر على فرضية صوم عاشوراء، وإنما هو من باب الندب
والاستحباب.


الجمع بين عدم الفرض وبين حض الناس على الصيام مع ترك المجال مفتوحاً أمام الناس



وهنا لطيفة في قول النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: وَلَمْ
يَكْتُبْ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ وَأَنَا صَائِمٌ ، ففيه جمع بين
تبيين أنه ليس بفرض وبين حث الناس على الصيام بأنه سنة وأنا صائم ، ثم أفسح
المجال بعد ذلك للناس فقال فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ
فَلْيُفْطِرْ.


نص البخاري



  • حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا
    أَيُّوبُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ
    عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ
    صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ
    يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا
    يَوْمٌ نَجَّى اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى
    قَالَ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ
  • حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ
    عَنْ أَبِي عُمَيْسٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ
    عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ
    تَعُدُّهُ الْيَهُودُ عِيدًا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
    وَسَلَّمَ فَصُومُوهُ أَنْتُمْ
  • حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ
    عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ
    عَنْهُمَا قَالَ مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
    يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلَّا هَذَا
    الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ
  • حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ
    أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ
    أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ
    أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ أَنَّ مَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ
    يَوْمِهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ
    عَاشُورَاءَ


في الحديث الأول والثاني ارتباط بإحياء أيام الله تعالى وتعظيمها



هذه أربعة أحاديث، يؤكد الأولان منها ارتباط صيام يوم عاشوراء بإحياء
أيام الله وتعظيمها، أي الأيام التي خصها الله عز وجل بمناسبات يتقرب إلى
الله عز وجل بالاحتفاء بها والاعتناء بها، فإن النبي صلى  الله عليه وآله
 وصحبه وسلم كما جاء  في الحديث الأول وهو عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى
الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا؟ وهم يصومونه-
كما مر معنا في المجلس الماضي- في مكة إذ كانت قريش في الجاهلية تصوم يوم
عاشوراء و كانت العرب كانت تعظم هذا اليوم أيضاً، فلما جاء إلى المدينة
فلاحظ أن اليهود كذلك يصومونه، فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا هَذَا يَوْمٌ
صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ
فَصَامَهُ مُوسَى ،أي شكراً لله عز وجل على النجاة .


فقه الانفتاح على الآخر وضوابطه



أولاً: تأمل قول النبي: مَا هَذَا؟وهو يستفسر هنا من أهل الكتاب لينظر
ماذا عندهم، وفي ذلك ملحظ في أن الحكمة ضالة المؤمن، وأن المسلم لا يقصر في
فهمه وفي نظره ولا يحجب – نعم يتبصر ويسأل أهل العلم فلا يأخذ المسألة
هكذا ويسير بها من غير المسلمين لاسيما إن كانت المسألة تتعلق بالدين
الإنسان يسأل ويتبصر- عقله ولا فكره للنظر فيما عند الناس، إذ النبي صلى
الله عليه وآله وسلم علمنا كيف نستفيد حتى من اليهود، فكيف يوجد من
المسلمين من يقول:لا تسمعوا لفلان ولا تسمعوا لمجموعة كذا ولا تحضروا عند
قوم كذا، فكيف يقبل مسلم أصلاً أن يمارس أحد حجباً على عقله وكيف تقبل أن
يمارس أحد الناس الوصاية على عقلك وقد خلق الله لك هذا العقل لتتبصر ولتنظر
ولتسمع ولترى ولتتأمل ولتستفيد، فالمؤمن لا يقبل الحجب ولا الوصاية على
عقله، لأن الله خلق له هذا العقل وجعله مكلفاً من خلال هذا العقل، فهو مناط
تكليف العقل والاختيار.


قَالُوا هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ



الأمر الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لا حظ قول اليهود
هنا،وتأملوا قولهم: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، فما معنى كلمة يوم صالح؟ أليست
كل أيام الله صالحة؟  مؤكد أن الأيام من حيث كونها ليلاً ونهاراً كلها
صالحة، لكن المقصود باليوم الصالح هنا أي أظهر الله فيه نصرته للحق، فارتبط
اليوم بمعنى صالح، فما هو المعنى الصالح الذي ارتبط به يوم عاشوراء هنا؟
هو نصرة الله للحق على الباطل بنجاة بني إسرائيل الذين آمنوا مع سيدنا موسى
عليه السلام وهلاك عدوهم .


تنسب الأيام إلى الصلاح أو الفساد من باب ما يجرى فيها وليس في ذلك سب للدهر



فالأيام تنسب إلى الصلاح من باب ما جرى فيها وتنسب إلى العكس أيضاً من
باب ما جرى فيها وليس في نسبة بعض الأيام إلى الفساد سباً للدهر أي لا
تسبوا الدهر، فإن الله يقول فأنا الدهر، أي مقدر الدهر ومدبر الدهر و صاحب
القضاء في هذا الدهر ومسير الدهر سبحانه وتعالى.لكن عندما تذم بعض الأيام
بالنسبة لما جرى فيها فليس في ذلك إشكال ولا يعد من سب الدهر،لأنه ليس من
باب الاعتراض على قضاء الله فيه وإنما من باب تبيين الأيام وتمييزها الأيام
عن غيرها ، وقد وردت تسميات للأيام في القرآن منها يوم نحس مستمر، فأضاف
اليوم إلى النحس وجعله صفة فيه.


في الحديث تنبيه إلى تمييز الأيام التي يجري الله فيها الخيرات للناس



إذاً تنسب الأيام إلى الصلاح وتنسب إلى ضده، في قول اليهود للنبي إنه
يوم صالح وإقرار النبي هذا الأمر لهم صلى الله عليه وسلم فيه تنبيه إلى
تمييز الأيام التي يجري الله عز وجل فيها الخيرات للناس النبي، كما مر معنا
أنه صلى الله عليه وسلم ميز يوم مولده؛ فقال هذا يوم ولدت فيها وكان
يصومه، فالمؤمن إذا مرت به أيام رأى منها على نفسه أو على أهله أو على أمته
أو على العالم فلا إشكال في أن يميز هذه الأيام، لكن السؤال هما هو بم
يميزها؟ هل يميزها بالغفلة واللهو والمعاصي؟ أو يميزها بالطاعة وشكر الله
عز وجل وبالتقرب إلى الله تعالى .


فإذا فرح الإنسان بذكر يوم مولده، وقال في مثل هذا اليوم أنا ولدت وذكر
مولده، فليس في ذلك إشكال كما يتوهم البعض، لكن الإشكال إذا جعل الاحتفال
فيه مخالفة شرعية أو إذا قام على أساس مخالف لشريعة الحق سبحانه وتعالى،
فمما شرعه الله لنا أيضاً تعلمنا تمييز الأيام الصالحة.


بعض أركان الإسلام قامت على تمييز المناسبات



ومن هنا جاء تمييز الأيام الطيبة والفرح بها، بل إن بعض أركان الإسلام
قامت على تمييز المناسبات كالحج مثلاً عند تأمل بعض مناسكه كالوقوف بعرفة
إذ جاءت بعض الروايات أنها المكان الذي التقى فيه آدم بحواء بعد هبوطهما في
الأرض وفي رمي الجمرات  تخليد لذكرى رمي الخليل إبراهيم للشيطان عندما
تعرض ليوسوس له في أمر ذبح ابنه إسماعيل.


ارتباط مناسبتي عاشوراء بإغراق الله الكافرين ونجاة المؤمنين مع رسولهم



بل جاء في صحيح مسلم زيادة على  القول بأنه يوم الذي نجى الله فيها موسى
بأن يوم عاشوراء هو اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح على الجودي على الجبل
أيضاً، فارتبط هذا اليوم بمناسبة أخرى وهي إغراق الله عز وجل من جحد وكفر
ونجاة المؤمنين مع سيدنا نوح عليه السلام، فيوم عاشوراء -كما جاء في صحيح
مسلم وأورد ذلك الإمام ابن حجر في شرحه للبخاري- هو نفس اليوم أيضاً الذي
نجا الله تعالى فيه نوح ، فهي ذكرى  نجاة سيدنا موسى ومن معه وذكرى نجاة
سيدنا نوح ومن معه من أهل السفينة عندما استوت سفينتهم على الجودي وسلمهم
الله عز وجل من الغرق في الطوفان.


فقه الارتباط بمناسبات لها صلة بنصرة الحق تجديد لمعنى ويقين النصرة في قلوب المسلمين



فإذاً هناك ارتباط بين المؤمن وبين الذكريات فما الحكمة في ذلك؟ قالوا
الحكمة في ذلك أن الارتباط بالذكريات التي لها صلة بنصرة الحق تجديد لمعنى
النصرة في قلوب المسلمين ويقينهم بالله أنه سينصرهم كما نصر أولئك، كلما
تذكرت أن الله تعالى نصرهم تذكرت فضل الله عز وجل فسيزداد يقينك بنصرة الله
للمؤمنين ويقوى يقين المؤمنين بهذا الخير، فذكرى المواسم المرتبطة بفضل
الله عز وجل تجديد لدين الناس ولإيمانهم، ولهذا لما قال اليهود إنه يوم
صالح إنه اليوم الذي نجى الله فيه بني إسرائيل ونصرهم على عدوهم؛ أقرهم
النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ .


كيف يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لليهود: فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ



كيف يقول النبي لهم وهم يعتبرون أنفسهم قوم موسى أنا أحق بموسى منكم؟ أي
أن الصلة التي بيننا وبين سيدنا موسى وبين سائر سادتنا من أنبياء الله
عليه السلام قائمة على حقيقة الأمر الذي أرسلهم الله به وهو توحيد الله عز
وجل فنحن أولى بالأنبياء ممن يقولون أنهم من أممهم ونحن الذين سنناصر سيدنا
عيسى بإذن الله وأرجو الله أن يجعلنا وإياكم منهم، فإن لم يكتب لنا أن
نحضر ذلك الزمان أن يجعل من ذريتنا من ينصر سيدنا عيسى عليه السلام ، ففي
الحديث يقول النبي صلى الله  عليه واله وسلم ليجدن ابن مريم رجال من أمتي
هم كحوارييه، فأخبر النبي وعلق قلوب الأمة بهذا الإخبار بأن لنا صلة بنصرة
الأنبياء عليه السلام .


وفي أيام الرسوم الكرتونية التي اجترأ بعض المخذولين فيها على الحبيب
صلى الله عليه وسلم، كلمتني امرأة بحرقة وبمحبة للنبي بالهاتف تقول:ما هذا
وكيف يجترئون على نبينا صلى الله عليه وسلم ؟ لولا خوف الإثم لرددنا عليهم
بالاجتراء على عيسى!! صحيح عندك حرقة على النبي صلى الله عليه وسلم لكن أن
تصل المسألة  إلى ذلك معناها أن القضية بدأت تتحول من نصرة لدين الله إلى
نصرة للذات  نصرة لنبينا ولو بالإساءة إلى نبيهم، لكن ليس الأمر كذلك.


نحن أحق بكل ما هو حق لأننا  أهل الحق وعلى مسلك الحق في هذا الوجود



لهذا جاء الكلام فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ، فنحن أحق بكل ما هو
حق في هذا الوجود لأننا نسلك مسلك الحق، لأننا نريد أن نكون من أهل الحق،
فكل ما اتصل بالحق في الوجود نحن به أحق والحكمة ضالة المؤمن، و لهذا قال
أنا أحق بموسى منهم فصامه صلى الله عليه وآله وصحبه  وسلم وأمر بصيام،ه
وتأملوا هنا قوله فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ إذ تجدون في قوله وأمر
بصيامه ما يؤكد أنه كان في وقت من الأوقات فريضة كما جاء في الروايات.


فَصُومُوهُ أَنْتُمْ



وفي الحديث الذي يليه قال كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَعُدُّهُ
الْيَهُودُ عِيدًا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَصُومُوهُ أَنْتُمْ ، فلم يقل أنه من أعياد اليهود فخالفوهم ،  لأنه ما
دام الأمر مرتبط بخير سرنا فيه كما دلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على
ذلك، وإنما وجه المخالفة (ولو تذكرتم في المجلس الماضي ذكرنا ذلك بتفصيل
لكن هنا على وجه الإجمال ) بالتميز وليس بالمعاكسة، فليس لأنهم فعلوا كذا
أن نفعل العكس، وإنما نتساءل هل الذي فعلوه هو خير؟  فنفعله ثم نزيد من هذا
الخير  ونتميز عليهم فصام عاشوراء ثم قال لأني عشت إلى قابل لأصومن يوماً
قبله أو بعده ، فمخالفتنا مخالفة زيادة  ومخالفة تميز عن الآخرين و ليست
مخالفة تضاد لمجرد التضاد، إلا إن كان الذي عليه الآخرين قد قام على وجه
المخالفة.


وجه المخالفة بالتمييز وليس في المعاكسة



ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن نخالف المجوس الذين كانوا
يطلقون شواربهم ويحلقون لحاهم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإطلاق اللحى
وبأن تحف الشوارب، لأن المخالفة  هنا فيها ارتقاء من السيئ إلى الحسن ومن
الانتكاس عن الفطرة إلى الرجوع إليها مرة أخرى، وليس المقصود هنا مجرد
المعاندة بالمخالفة وإنما يقصد من المخالفة إيجاد شخصية للمجتمع المسلم هذه
الشخصية ترتبط بكمال وبالارتقاء وبالعطاء وبالنفع .


وأقول للأسف إن هذا كان في السابق إذا سافر بعض المسلمين للتجارة بين
غير المسلمين فإنهم كانوا يتميزون عن بقية أهل البلد بم؟  بأنهم هم أنظف
أهل البلد في لباسهم وأجسامهم وهم أصدق أهل البلد واتقاناً في السلعة أو في
التجارة أو في الصناعة التي يصنعونها وأكثر أهل البلد تخلقاً بالأخلاق
الحسنة ، فميزوا بسمتهم و بأخلاقهم و بهديهم وبأنهم في كل أحوالهم يطلبون
الأكمل فالأكمل فهذا هو وجه التميز الذي ينبغي أن يتميز به المجتمع المسلم
وليس لمجرد فقط التمايز وليس لمجرد الاختلاف فحسب.


وهذا قد تغير الآن في أذهان كثير من طلبة العلم فصار التميز في العناد
والمعاندة لمحض المخالفة، وليست المسألة كذلك فإن ذهب الآخرون إلى جهة
اليمين وكان في اليمين خير لنا ذهبنا معهم إلى جهة اليمين ثم تميزنا بإتقان
وبارتقاء وإن هم ذهبوا إلى اليسار فوجدنا في ذلك شراً تميزنا عنهم هنا
بالمخالفة التي ليس المقصود منها مجرد المخالفة، وإنما المقصود هنا التميز
بالمخالفة إلى الأفضل أو الموافقة ثم التميز أثناء الموافقة بالأفضل
والأفضل.


وجاء بعد ذلك حديث ابن عباس يقول فيها رضي الله عنهما: مَا رَأَيْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ
فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وقد
تتذكرون قبل فصول  قرأنا كلاماً في باب هل يخص شيئاً من الأيام بالصوم في
المجلس التاسع عشر،عن السيدة عائشة رضي الله عنها أن الرسول عليه الصلاة
والسلام لم يكن يخص شيئاً من الأيام بالصوم ،و تتذكرون -كنا نقول -أن
السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها تكلمت عما حفظته هي وألا نأخذ نفيها على
اعتبار النفي المطلق، وضربنا المثل بصلاة التراويح لما قالت رضي الله عنها
ما زاد على أحد عشر ركعة فقلنا لم يعتمد الصحابة ولا التابعون هذا الكلام
على أنه بمعنى أنه لا يزاد في رمضان على أحد عشر ركعة، بدليل أن عمر بن
الخطاب أمر الناس وصلوا عشرين ركعة،و كذلك عثمان وعلي بن أبي طالب وتسلسلت
بعد ذلك في عهد الصحابة والتابعين وتابعي التابعين وتابعي تابعي التابعين
أنهم كانوا يصلون العشرين ركعة، فمن يريد أن يصلي ثمانية ركعات أو ست أو
اثنان فليست القضية في عدد الركعات – كما ذكرنا قبل ذلك – لكن الشاهد في
هذا أنه إذا حفظ عن أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أنه قال ما فعل
رسول الله وما زاد رسول الله فلا يستعجل أحدنا ويقول هذا دليل على أن
الزيادة على ذلك خطأ.


إذاً كيف يؤخذ الحكم؟  يؤخذ الحكم بالنصوص مجتمعة بأن نجمع النصوص هذه،
فمن الأخطاء الشائعة أن يأخذ أحد طلبة العلم أو أحد المستمعين أو المشاهدين
أو القراء نصاً ويقول هذا هو النص و الدليل ولا نأخذ برأي وكلام علماء هذه
الزمان ما دام عندنا النص والدليل، فالدليل لا يؤخذ من نص واحد ويكتفي به
إلا إذا كان في الباب نصوص أخرى تكمل هذا النص ففهمنا من ذلك إن ابن عباس
رضي الله عنهما الذي يحفظه ( وابن عباس توفي رسول الله صلى الله عيه وسلم
وهو لا يزال في الثانية عشر من عمره والسيدة عائشة في الثامنة عشر  من
عمرها ،ومع ذلك فتح الله عليهما بصدقهما وبدعوة النبي لهما فصار من كبار
علماء الصحابة ورواة الحديث  رضي الله تعالى عنهما) فكان ابن عباس يقول أنه
حفظ عن النبي ما خص يوماً بصوم إلا عاشوراء ولا شهراً إلا رمضان ، وروى
آخر قال ما أذكر أن النبي صام شهراً بأكمله فيقفز بعضهم  ويقولون إذن صيام
شهر بأكمله من البدعة.


لماذا صار التورع في نهي الناس عن مناسبات الطاعات



من قال هذا الكلام ؟ من أين جئت به لتنهى الناس عن الطاعة؟ ولماذا صار
مظهر التورع عندنا في نهي الناس عن الطاعات وعن العبادة وعن الذكر وعن
الإقبال على الخير؟ فالتورع في أنه لو كان هناك احتمالان أنه أفضل أو ليس
بأفضل أن نأخذ بالاحتمال الأول وهو أنه يكون الأفضل احتياطاً، فالتورع هنا
إنما يكون بالعمل لا بالإحجام عن العمل.


الورع في العبادات بالأخذ والورع في الدرهم والدينار بالترك



ثم أين يكون الاحتياط بالتورع في الإحجام عن العمل و متى؟  عندما يكون
له صلة بحظوظ النفس الدنيوية أي بيعةأو صفقة فيها دينار ودرهم فقال بعض
العلماء فيها  يجوز وقال كثير من العلماء لا يجوز في نفس المسألة ،فقالوا
أن الاحتياط والورع هنا أن أتركه احتياطاً وورعاً، فمظهر الورع يظهر هنا في
الدينار والدرهم أو في الدنيا التي تميل إليها الناس،  أما في العبادات
فإن الاحتياط يكون بالعمل لا بترك العبادات ويكون الاحتياط فيها بالأخذ
وباحتمال أن يكون قد ثبت فأعمل به احتياطاً حتى لا يفوتني الخير، وعلى هذا
فمادام هناك نص أو قول عالم يحتج به فأنت على خير في ذلك ،ولا يجب أن نجعل
اضطراب الروايات أو اختلاف الناس في الأسانيد مبرراً لنا  للنكوص عن
الأعمال الصالحة وتركها والرجوع عنها فينبغي للإنسان أن يتأمل هذه القاعدة .


ثم في الحديث الأخير حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه ، يقول سيدنا
سلمة بن الأكوع أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا
مِنْ أَسْلَمَ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ أَنَّ مَنْ كَانَ أَكَلَ
فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ
فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ،وهذا الحديث يؤكد الكلام بأن عاشوراء
كانت في يوم من الأيام فريضة ثم نسخ بعد ذلك إلى نافلة.


تخريج الأحاديث حسب السياق



  • وَهَذَا يَوْمُ اسْتَوَتْ فِيهِ السَّفِينَةُ عَلَى الْجُودِيِّ
    فَصَامَ نُوحٌ وَمُوسَى شُكْرًا للهِ تَعَالَى (أحمد 2/359(8702)
  • والذي بعثني بالحق ليجدن عيسى ابن مريم في أمتي خلفا من حواريه
    (أبو نعيم عن عبد الرحمن بن سمرة) الديلمى (4/130 ، رقم 6403)
  • جُزُّوا الشَّوَارِبَ، وَأَرْخُوا اللِّحَى، خَالِفُوا الْمَجُوسَ ( مسلم، باب خصال الفطرة )

المقصود من الصلة بالخلق

المقصود من الصلة بالخلق
الحمد لله .. حمداً نستلهم به التوفيق من حضرته، ونتهيأ به لعواطف نظرته، وصلى الله وسلم على خلاصة الخلاصة وصفوة الصفوة من بريته وخلقه سيدنا محمد، اللهم صل وسلم على سيدنا ومولانا محمد أعظم من دلّ عليك وأشرف من أوصل إليك وعلى آله وصحبه ومن سلك نهجه إلى يوم الدين..
 
لعلك أخي يا من حضرت المجلس الذي مضى وأصغيت إليه أعدت النظر في صلتك بالخلق، تنبهت إلى من خُلِقت وقد قدر الله لك أو عليك أن تكون على صلة بهم لا اختيار لك في ذلك من والدين ورحم، واستشعرت عظيم حق من كانت لك نسبة من الاختيار فيهم ولكن هناك جزء آخر لا اختيار لك فيه كجيرانك، ثم راعيت النظر في من تصاحب..
 
قبل أن نشرع في المجلس اليوم، أرجو أن تكون قد صالحت رحمك التي كان بينك وبينهم قطيعة، ودون أن تصالح الرحم وتعود إلى صلة الرحم لا تضحك على نفسك السير إلى الله عندك صعب، أعلم أن هذا القرار سيكون صعب بالنسبة لك أن تدوس على نفسك وتتنازل عما تراه كرامة لك أو حقاً لك وتسترضي من ترى أنه أساء إليك من الرحم، أعلم أن هذا ثقيل لكن أنا أثق أنك مسلم ومؤمن وبالتالي الأثقل عندك والأعظم والأكبر رضوان الله سبحانه وتعالى وأنك لن تتردد قط في أن تدوس نفسك بقدميك وتطلب رضوان الله، صَعُبَ عليك من المجلس الماضي من الآن انوي هذه النية، الله مُطلع على قلبك وأنت تنصت إلى هذا الكلام، هل نويت صلة الرحم التي قطعت؟ حالك مع الوالدين، الجيران، أساؤوا أخطئوا… جيران، “ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه“، أصحابك ما كان حالك معهم تذكرت أنهم مرآتك؟؛ فإذا أردت أن تعرف حالك انظر إلى أحوال أصحابك، اختيارك للأصحاب لقاسم مشترك بينكم، هل راجعت نفسك من المجلس الماضي إلى الآن فيما يغلب على تجالسك معهم أهو النافع أو الضار أم أنه لغو يضيع الوقت فحسب.. على كل في مجلسنا هذا نلج إلى عُمق في مفهوم صلتنا بالخلق، هو أساس في ارتقائنا في صلتنا بالخالق..

عمق المقصود من الصلة بالخلق

طبيعة الإنسان.. الأنسة ولذلك سمي إنسان ـ على قول ـ لأنه يأنس يحتاج يأنس إلى ما حواليه، أيضاً سُنـّة من سنن الكون التي أوجدها الله عزوجل أن الإنسان يصعب أن يستقل بنفسه في الحياة، كي تلبس أنت محتاج إلى الخياط وإلى النساج وإلى المزارع وإلى الصانع، كي تأكل القمة أنت بحاجة إلى المزارع وإلى الراعي وإلى الصانع، كي تسير من بيت إلى بيت آخر على العربة أنت محتاج إلى كذا وكذا، هناك تكامل هناك شيء من التسخير من الله عزوجل البشر لبعضهم البعض، الصلة بين البشر فيها نوع من صورة الحاجة من كل طرف إلى الآخر ولا يوجد أحد من البشر أُغنـِيَ عن بقية البشر في عالم الحس إلا فيما ندر، حتى الأعلى لا يستغني عن الأدنى، الملك الحاكم محتاج إلى الشعب وإلا كيف يكون حاكماً؟ يكون حاكم على نفسه إذا ماعنده شعب ماهو بحاكم، الوزير محتاج إلى الذين معه وإلا ما قامت وزارته، التاجر محتاج إلى الذين يعملون عنده وإلا ما راجت تجارته، المزارع محتاج إلى من يعينه أو من يشتري بضاعته وإلا ما مشت زراعته، الطالب محتاج إلى من يعلمه والمعلم محتاج إلى الطالب ليعلمه، إذاً الحاجة قائمة بين البشر في عالم المحسوس، هذه الحاجة إما أن تترجم عند صاحب الغفلة بنوع من التعلق بمن له صورة احتياج إليه، هذا التعلق إما أن يكون بمحاولة استمالتهم واسترضائهم أو بمحاولة دفعهم وقهرهم، لكن في كلا الحالتين أنت تشعر أن لك تعلق.. أن لك علاقة بهؤلاء الناس صحيح؟، لكن أصحاب الصلة بجناب الحق عز وجل..
أيها المريد الذي يريد أن يسلك الذي يريد أن يقترب إلى الله عزوجل حاول أن تفهم سنة التكامل التي أوجدها الله عزوجل بين البشر بمنظور آخر وهو أن الله جعل البشر سلالم لبعضهم البعض في الارتقاء إليه، الغني عندما يحسن إلى الفقير يكون الفقير بالنسبة له سُلماً يرتقي به إلى الله أعانه على الارتقاء إلى الله، والفقير عندما يجد المعونة من الغني جعله الله سبباً في قضاء حاجته، المعلم والمتعلم.. الكبير والصغير.. الحاكم والمحكوم.. الطبيب والمريض.. الكل..
لو نظر كل منا إلى صلته بمن حواليه أنهم وسائل لارتقائه إلى الله عزوجل النظرة ستختلف كثيراً ما معنى ستختلف كثيراً؟ في أحوالنا مع الله، ثم ما يترتب على ذلك في معاملاتنا مع بعضنا البعض، عندما تنظر إلى إنسان على أنه معراج ارتقائك إلى الله السبب في قربك من الله ..أتحبه أو لا تحبه؟ تـُحسِن إليه أو لا تـُحسِن إليه؟ تتمنى الخير له؟ هو سبب في قربك من الله، لكن إذا نظرت إلى إنسان على أنه العقبة بينك وبين ماتريد، الله يعينا يخلصنا من فلان من هذه المشكلة.. مرتب الشيء الفلاني ….فرق كبير، سواء أراد هذا الشيء بأسلوب المداهنة والملاطفة أو بأسلوب القهر سيان في النهاية، أنت في هذه الحالة مقهور تحت هذا الإنسان حتى ولو كنت في الصورة قاهراً لهذا الإنسان، أنت مقهور لأنك تشعر أنك لا تستطيع أن تخطو خطوة إلا بعد أن تنتصر على مشكلتك مع هذا الإنسان، لكن إن نظرت إلى صلتك بالبشر على أنهم مراقي ترتقي بها في الصلة بالله المحسن منهم يعلمك الإحسان والمسيء يعلمك الصبر المحسن منهم يحيي في قلبك معنى الشكر لنعمة الله أن ساق إليك المحسنين، والمسيء منهم يحيي في قلبك الاعتبار والتعلم حتى لا تكون مسيئاً، كيف تكون نظرتك إلى أناس تراهم أنهم جميعاً يحملونك إلى الله عز وجل الفرق كبير..

إعادة النظر فيما نرجوه من الخلق من حولنا

يترتب على هذا أن تعيد النظر في مفهوم ما ترجوه من الخلق وما تخشاه من الخلق هذا بجانب النظرة الأولى، المفهوم الأول: اتفقنا أننا سننظر إلى البشر على أنهم مراقي لنا في صلتنا بالله صحيح؟، المفهوم الثاني: وهو مفهوم الحاجة وهذه مسألة لها صلة بالعقيدة لكن بباطن العقيدة بروح العقيدة بسر العقيدة .. اليقين، إذا ظننت بأن أحد من هؤلاء البشر يملك لنفسه نفعاً أو ضراً فضلاً عن أن يملك لك نفعاً أو ضراً فأنت في مشكلة، لماذا فلان يكره فلان؟ لأنه أعتقد أن فلان منعه ما يريد أو أخـّره عما يريد أو صَعّب عليه ما يريد أوأخذ ما يريد. ولماذا يبيع فلان دينه لفلان بكذب أو مداهنة أوطاعة في معصية الله عز وجل لأنه أيضاً يظن أنه بيده أن يعطيه ما يريد..
أصبحت النظرة إنسان لإنسان غاب عنها شهود الرحمن، النظرة الأولى تلك السابقة كنا ننظر أنه سبب في ارتقاءنا إلى الله لأن الله جعلهم أسباب لترقينا، لكن مفهوم الحاجة هذا إذا نظرنا إلى بعضنا البعض في صلتنا ببعضنا البعض بتصحيح مفهوم ما نحتاج إليه أصلاً من الدنيا، أيها المريد ماذا تحتاج من الدنيا أنت لا تحتاج على وجه الحقيقة على أكثر من كسوة تستر عورتك وتقيك البرد وكذلك من تعولهم ولقمة تقوًم بها عودك ولو بشيء من التنعم في المباح ومأوى تأوي إليه ومركب تركبه، يوجد في الدنيا أكثر من ذلك؟ حقيقة لا كل ما سوى ذلك أوهام يتوهم الإنسان التلذذ بها، يتوهم الإنسان التلذذ بأن ستارة بيته أغلى من ستارة بيت جاره بعشرة آلاف أو بخمسة آلاف، هنا لا يوجد لذة في الحقيقة لكن توهم اللذة بتوهم أني صرت أعلى منه أني صرت أرقى منه أنه سينظر إلي بأني… في الحقيقة لا توجد لذة حقيقية بهذا الشيء، لكن اللذة في الوهم الذي تعيشه إن أخذتنا هذه النظرة للحاجة.

موقف المريد من الفقر والغنى

ما موقف السائر إلى الله ما موقفك أيها المريد من الفقر والغنى؟ هذا له صلة كبيرة لسيرك إلى الله وله صلة بصلتك بالخلق، إن كتب الله لك سعة في شيء من أمور الدنيا ما نظرتك لمفهوم الغنى والجـِدَة؟ وإن قَدَر الله عليك رزقك وصارت عندك حاجة أو صارت أمورك شدة ما نظرتك لذلك؟ إن قررت أن تكون واضحاً صادقاً قوياً بالله عز وجل ستدرك أنه من حقك أن تأخذ بالأسباب إذا أردت أن تتوسع، من حقك أن تتاجر من حقك أن تأخذ بأسباب الدنيا، لكن ينبغي أن يكون قلبك مطمئناً أولاً إلى أنك لن تستطيع أن تأخذ شيء لم يكتبه الله تعالى لك، فتجتهد اجتهاد المطمئن لا اجتهاد اللهج المتلهج القلق، الشيء الآخر أنت مريد الله فالدنيا بالنسبة لك بـُلغة لن تنظر إليها على أنها إما حضرت وإما شقيت، إما توفرت سيارة من النوع الفلاني أو فرشت بيتك من النوع الفلاني وإلا فأنت غير سعيد، أنت الذي حكمت على نفسك في هذه الحالة أن لا تكون سعيداً!! ليست هي الحقيقة، فإذا فهمنا أنها بـُلغة وأن المتيسر منها سيأتي المكتوب وغير المكتوب لن يأتي خذ الأسباب لكن كن مطمئناً بأنه لن يأتيك إلا ما قـُدّر لك، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في ما مضى تعاملك مع الفقر والغنى هل تفهم كيف تصبر إذا حصل الفقر وتشكر إذا جاء الغنى؟

رتب المريد مع الفقر والغنى

أقل رتب المريد أن يشكر عند الغنى وأن يصبر عند الفقر؟ نعم وهذه بدايات سنة أولى روضة تمهيدي حضانة .. بدايات الإرادة، جاءك شيء من الفقر .. صبرت ثبتت أخذت بالأسباب لكن عندك الصبر الرضا، فـُتِحَ لك شيء من أبواب الدنيا شكرت وأديت حقها..
يوجد أرقى من ذلك؟ نعم، تعرف ما هو الأرقى؟ هناك من الصالحين من إذا جاءت الدنيا أقبلت خافوا وقالوا لعلها عقوبة معجلة ذنب عُجـِّلت عقوبته، وإذا جاء الفقر وقلة ذات اليد يقول الحمد لله شعار الصادقين قد أقبل عليّ… صعبة، هناك أرقى .. لا لا هذه صعبة ما استوعبناها كيف هناك أرقى؟ نعم..
هناك أرقى، الذي ينظر إلى هذه الرتبة التي يستصعبها البعض، إذا جاءت الدنيا خاف وقال لعله ذنب عُجـِّلت عقوبته كما كان السلف يقولون وإذا أقبل الفقر اطمأن وانشرح صدره وقال مرحباً بشعار الصالحين كيف ينظرون ماهي الفلسفة التي ينظرون بها إلى هذا الأمر؟ في الحقيقة هي معرفة أكثر من كونها فلسفة، حلال الدنيا حساب وحرامها عقاب، هذه واحدة، الثانية غالب أهل الدنيا الذين لم تطمئن قلوبهم لأنوار المعاملة مع الله في نكد لا تعلمونه أنتم، لا يعلمه من لم يتسع في الدنيا، وانظروا إلى هذا الفقير الذي ثوبه قد خِيط عدة مرات وهو يسير هانئ البال يضحك بملء فيه وإذا آوى إلى فراشه بمجرد أن يضع رأسه على الوسادة أطبق عليه النوم، وانظروا إلى هذا الذي يملك الأموال الطائلة ويركب السيارات الفارهة ويلبس الملابس الفاخرة وهو لا يستطيع أن ينام إلا بحبوب منومة، ما القصة ما الخبر ما السبب؟ نعم رأينا فقراء أيضاً جزعين، ورأينا أغنياء مرتاحين، المسألة ترجع إلى طمأنينة في القلب فقط، هل اتضح هذا المقصد لماذا كانوا يقولون مرحباً بشعار الصالحين ويقولون ذنب عُجـِّلت عقوبته في صلتهم بالفقر والغنى، ماهو الأرقى حتى لايدركنا الوقت، الأرقى من هذا وذاك أن يستوي عندك الفقر والغنى، الجـِدَة والعدم؛ كتب الله لك أن تعيش عيشة الفقراء بالرغم من بذلك الأسباب لكن في النهاية ما تيسر إلا هذا المستوى، راضي يا رب بما قسمته لي.. القضية أيام نعديها في الدنيا ونسير يا الله بحسن الخاتمة، كتب الله عليك ابتلاء الأموال والسعة في أمور الدنيا، يا رب أعني على ما أقمتني فيه وارزقني حسن التصرف والتقبل ولا تجعل الدنيا في قلبي.
حال أهل الأنس بالرضى بالله عز وجل: أن الوجد والعدم عندهم سواء، طيب لماذا جعلنا من استوى الفقر والغنى في قلوبهم أرقى من الذين يخافون من الغنى ويفرحون بالفقر؟ لأنه بالرغم من أن هذا الخوف والفرح راقي، إلا أنه لا يزال فيه نسبة نظر إلى الدنيا، أثرت بخوف أو فرح وإن كان راقياً، اتضحت أو أعيدها؟ أعيدها، هذا الذي يفرح بالفقر ويقول شعار الصالحين قد أقبل واتخلص من مشكلة حساب الدنيا، أو قد جاءت الدنيا فيقول ذنب عُجّلت عقوبته لكن لا يزال في قلبه تأثر في الدنيا إن أقبلت أو أدبرت، وإن كان هذا التأثر إيجابياً لكن في نسبة تأثير في الدنيا عليه، أما من استوى عنه الوجد والفقد .. الغنى والفقر عنده على حدٍ سواء هذا قد انقطعت الدنيا عن قلبه بالكلية ما عادت تهز له شيئاً؛ وجـِدَت أخذها وبذلها في محلها، فـُقِدت ما شاء الله ما فقد شيء لأن قلبه معمور بالله..

مواقف ..

* من السيرة : الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم مرّت عليه أيام وفـّر لزوجاته مؤونة سنة كاملة من الطعام، ومرّت عليه أيام ما يجد طعام، في الحديث الشريف : “أن رجلا – ضيف.. يعني انظروا الإحراج في مفهومنا العصري، برؤيتنا القاصرة – أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث إلى نسائه فقلن: ما معنا إلا الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يضم أو يضيف هذا). فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته، فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني، فقال: هيئي طعامك، وأصبحي سراجك، ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء. فهيأت طعامها، وأصبحت سراجها، ونومت صبيانها، ثم قامت – قبل نزول الحجاب- كأنها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين“..
الله الله، بعضنا يستثقل أن يجلس عنده الضيف ليلة أو ليلتين من الرجال والنساء يستثقلون.. خصوصيتنا وترتيبنا وأمورنا، أما تعلم أن الضيف يدخل برزقه ويخرج بذنوب أهل ذلك البيت؛ أي بمغفرة ذنوب أهل ذلك البيت؟ على كلٍ موضوعنا أن الحبيب صلى الله عليه وسلم كان عنده الأمر على حد سواء، هذه الدرجة العالية..
* من السيرة:  يأتي إليه أعرابي وقال له يا محمد أعطني، وكان قد قسم لرسول الله من سهمه غنم تملأ ما بين الجبلين ملئ الوادي، فيقول رسول الله للأعرابي: انظر لهذا الغنم ملء الوادي، فيقول : نعم، فقال: إنها لك، فقال الأعرابي أتهزأ بي يا محمد، فقال إني لا أهزأ بك خذها وسر بها إلى قومك، فيأخذها الرجل ويسير: جاء في الحديث: “ولقد جاءه رجل فأعطاه غنماً بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر” ، هنا الشاهد، الرجل هنا لم يطلب من قومه أن يسلموا من أجل المال؛ الغنم، الرجل انبهر من عدم تأثير الدنيا على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، انظر إلى التعبير الراقي الذي عبر به هذا الرجل “فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر” من لايخاف من الفقر، ليس عنده التفات أبداً؛ جاء الفقر ..أهلاً وسهلاً، جاء الغنى .. أهلاً وسهلاً؛ أنا مع الله، بالله عليك ما تشتاق هذه المنزلة ما تطلبها؟ هي ممكنة الحق يعطيها، أعطاها أعداد من الأمة في كل زمان من هذه الأمة من أعطاه الله هذا الأمر..
* من زماننا المعاصر : أحد الأشياخ الذي أخذت عنهم كنت في مجلس الدرس كنت في تلك الأيام في الخامسة عشر أو في السادسة عشر، تعلمون لماذا أحكي لكم قصة أحد الأشياخ الذي جالستهم؟ حتى لا يقول أحدكم ذاك رسول الله ذاك أبو بكر وعمر أولئك السلف الصالح من مثلهم، كم وكم هناك أناس بين ظهرانينا عايشناهم وجالسناهم في القرن الواحد والعشرين أوالخامس عشر الذي نتحجج به في ما تروج له أنفسنا من الخنوع والرضا بأن لا نرتقي، شيخنا هذا حفظه الله تعالى كنت في مجلسه وبعد الدرس كنت أبقى لكي أنظر هل يحتاج الشيخ شيء، هل أكرم بخدمة الشيخ بشيء أو إذا أراد آتي له بقلم أو أقرب نعليه إليه عند خروجه، أي والله.. الفقير إلى الله أعلم في نفسي النقص في كثير من الشؤون، لكن إن كان ثمة شيء أجراه الله من النفع، صدقوني والله، إني لأعتقد أنه ببركة حملي لنعال مشايخي، نعم، هذا ليس تواضع!! لا تفهموه على أنه تواضع!! هذا إخبار بحقيقة، الصادقون مع الله شأن الجلوس معهم عجيب وهو موضوع درسنا إن شاء الله الذي يأتي أو الذي يليه، بقيت فلما انصرف الناس جاء أحد تجار البلدة من الذين يحبون الشيخ وقال للشيخ أريد أن أتكلم معك في أمر خاص، قال هات ما عندك يعني كلمني، خرج هذا التاجر وجاء ومعه سائقه يحملان جونيه (شوالاً) يسمونها التي يوضع فيها الرز قال له الشيخ : ما هذا؟ قال له مليون، هذا الكلام في الثمانينات الميلادية، قال له الشيخ ما لنا حاجة إليها يا أخي، قال أنا قد نويتها لك تريدها للخير للصدقة لأولادك، كان التاجر هذا من أهل الحجاز هذا الكلام في جدة قال (تحرقها) بلهجة أهل الحجاز، افعل ما تريد، فدعا له الشيخ وانصرف الرجل..
قال تأكد أن سيارة الرجل قد غادرت المكان، ذهبت وتأكدت له ورجعت أخبرته، قال تستطيع أنت والسائق تحملانها قلت إن شاء الله نعم، فحملت هذا الشوال مع السائق ووضعناه في السيارة وركبنا مع شيخنا، نعم كان هو في مقدمة السيارة مع السائق وكنت أنا بجانب الكيس الذي فيه المليون، كان هذا الكلام الساعة العاشرة صباحاً.. ما وصلنا إلى الساعة الثالثة بعد الظهر إلا وقد فرغ الكيس، أدخلني إلى أماكن ضيقة فيها من الفقراء مالم أعرفهم في بلدة ولدت فيها ونشأت فيها، يقول لي إقرع هذا الباب سيجيبك رجل شائب من الشباك لا يستطيع النزول قل له فلان أرسلني، سيلقي لك المفتاح افتح واصعد أعطيه هذه الرزمة، اطرق هذا الباب.. يا ولدي أنت قد بلغت سن الرشد غض البصر لأن الذي فيه إمرأة وبناتها عذارى ليس لهن أحد ناولها من عند الباب وارجع وهكذا.. فلما فرغ من تفرقة الكيس قال لي بقي شيء قلت لا سيدي فأمسك بطرف هذا الكيس وبكى فقال اللهم فاشهد.
هذا أوتي المال جاءه المال إلى عنده لكن ليس له أثر في قلبه ليس له منزلة عنده، وسأحكي لكم إن شاء الله في المجلس القادم قصة قريبة منها لها صلة أيضا بشيخنا الشيح أحمد متولي الشعراوي رحمة الله تعلى عليه هؤلاء القوم جاءتهم الدنيا، وأنت تأتيك الدنيا أو لا تأتيك، المهم ما حال قلبك هل يفرحك إتيانها؟ هل يحزنك انصرافها أو العكس؟
 

ننصرف من هذا المجلس

بأن نضع هدفا أمامنا : أن يستوي فيها الأمران إلى أن تصل إلى هذه الدرجة عش بالتدرج، أنت تحكم الشريعة تؤدي الزكاة كما ينبغي، لا ترضى أن يدخل عليك درهم أو دينار بحرام أو بشبهة واضحة حاول ان تبتعد عن الشبهات ما استطعت، ثم إذا جاءك تحمل مسؤلية أن الله إئتمنك على هذا المال متع أولادك وسع على أهل بيتك بتوسط ثم بعد ذلك والتوسط نسبي ثم بعد ذلك انظر مهمة المال أين ينبغي أن ينفق وإلى أين ينبغي أن يذهب، صدقت مع الله في ذلك قوي النور عندك في الذكر والإلحاح على الله قوي يقينك في الشؤن التي مر الكلام عنها بدأت الدنيا تصغر في قلبك ارتقيت إلى مرتبة تتقزز فيها من الدنيا ثم ارتقيت إلى مرتبة يستوي فيها الإقبال والإدبار..
اللهم حققنا بحقيقة هذا المعنى لا تجعل حظنا منه مجرد لقلقة اللسان أو سماع الآذان، اجعل له حقيقة تقر بالجنان ياحنان يامنان، اللهم لا تجعل الدنيا في قلوبنا، اللهم اجعلها في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا، اللهم لا تجعل الدنيا اكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أرنا الدنيا بالعين التي أريت إياها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومن كَمُل من أهل بيته وأصحابه وتابعيهم والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين آمين اللهم آمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم، والحمد لله رب العالمين .

ارتباط الذكر والفكر

ارتباط الذكر والفكر
لعلك عدت إلى ميدان الفكر، تفكرت بالدنيا وما تفعل بأهلها، وكيف تبيدهم وكيف تعبث بهم وتهينهم، فعافت نفسك الدنيا وزهدتها وجعلتها بـُلغة، تتبلغ بها إلى الآخرة،وفقهت أن من يلبس النعل في قدميه فقد وضع النعل في مكانه، لكن من أخذ نعليه ووضعهما على رأسه وقال: النعلان مهمان، وبهما يوقى الإنسان من الحر ومن القر ومن الزجاج ومن القذر، لا بدَ أن نحترم النعال لا بد أن نعطيها قدرها ظلمناها، تعالوا نضع النعال فوق الرأس وخرج إلى السوق وهو واضع نعليه على رأسه، ماذا يقال عنه؟ مجنون!!، نعم النعال نحتاج إليها لكن أين مكانها؟ في القدمين؛ الدنيا هكذا، نحتاج إليها لكن مكانها القدمين.
لعلك تفكرت في ذلك فعافت نفسك الدنيا، لعلك أعملت الفكر في عظيم صنع الله، في بدائع القدرة في هذا الوجود، في نفسك، فأورثك ذلك نورا من معرفة الله ترتقي به، لعلك أعملت الفكر فقضيت وقتا وأنت تتفكر في النعم الكبيرة التي أكرمك الله بها، ومن النعم العظيمة: الإمهال؛ الاستمرار بالنعم بالرغم من الأخطاء والتقصير، أنعم عليَ فأسأت فلم يسلبني النعمة، بل أمهلني لعلي أرجع، لعلي أتوب، فالإمهال من النعم، تفكرك في النعم هل أوجد في قلبك تذوقا لمعنى الحب لجناب الحق؟ اشتقت إليه أنست إليه، استشعرت عظيم فضله عليك سبحانه فقلت: الله..، لكن قلتها وأنت مشتاق إليه، الفكر يثمر في صاحبه ارتقاء في الذكر أيضا، فذكر المتفكر ليس كذكر الغافل، وهذا يغذي هذا، فإذا ارتقيت في الفكر إلى ميدان أعلى من الذكر، رقَاك الميدان الأعلى من الذكر إلى ميدان أعلى من الفكر، ومع الذكر والفكر نضيف ثالثا-وهو مزيجٌ بين الذِكر والفِكر- ألا وهو التدبّر لكلام الله عز وجل.

التدبر.. مزيج الذكر والفكر

عندما تتلو آيات الكتاب وأنت مستشعر عظمة الخطاب من رب الأرباب، كيف أكرمك بأن أذن لك أن تتلو كلامه؟ لولا فضل الله لما طاقت لما تحملت لما استطاعت ذواتنا الضَعيفة أن تتلو كلامه، الله سماه القول الثقيل (سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) وأخبرنا أنه أنزَله على قلب سيدنا محمد (فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ) أخبرنا أنه تيسرَ بلسانِ سيدنا محمد (بِلِسَانِكَ) كما قال له الله عزوجلَ، ثمَ جاءنا هذا الكلام الغض الطري وصار لك الحق أن يكلمك الله، ما هذه العطية، عندما تأخذ كلام الله تأخذ المصحف وتتلو، الآن رب العزة يـُكلمك يخاطبك، فأنت تتلقى كلام الله من الله سبحانه عزَ وجلَ، هذا التعظيم والاستشعار عندما تنظر به يتحول إلى بصيرة تفتح لك خزائن كتاب الله في كل سورة في كل جزء في كل آية في كل كلمة بل في كل حرف، خزائن من عطايا الحق سبحانه وتعالى، فإذا أقبلت بنور التعظيم للمتكلم، فـَتح لك هذه الخزائن، قد تحتاج إلى ما يساعدك، مفاتيح من أمثال اللغة العربية، قراءة شيء من كتب التفسير، سماع كلام أهل العلم، لكن عندما تـُقبـِل مع هذا بتعظيم لكلام الله تستشعر أن الله يفتح لك خزائن كتابه فإذا به يُفيض عليك من أنوار الكتاب العزيز، مفاهيم، أذواق، علوم، تستشعر أنك تغرف من بحر كتابه سبحانه وتعالى.
* حكمة : كان أحد الصالحين من أهل هذا المسلك الراقي يتكلم عن الفؤاد فأعجز العلماء الذين استمعوا إليه تعجبوا قالوا كلامك كله منضبط بضابط الكتاب والسنة والشريعة لكن فيه معاني ما وقفنا عليها من قبل من أين أتيت بهذه العلوم؟ قال أتيت بها من آية من كتاب الله عزوجل، قالوا وما هذه الآية التي جئت منها بكل هذه العلوم؟ قال قوله عزوجل (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ) أقبـَلَ على مائدة القرآن فبسط الله تعالى له هذه المائدة..

إلى أين نصل بالتدبر ؟

هذا التدبر يجمع الإنسان على فهم راقي، هو قد نظر بعين التفكر إلى القرآن الصامت إلى هذا الوجود فاستلهم منه معاني ثم نظر إلى القرآن الناطق كلام رب العزة فاستلهم منه هذه المعاني وقد مهد طريق قلبه لذلك بالذكر فجمع بين الذكر والفكر والتدبّر (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) ما الذي يمنع الإنسان من التدبر، قلة المعرفة؟ قلة علم؟ قلة ذكاء؟، قال لا، (أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) الذي يَحول بين الإنسان وبين أن يتدبر كلام الله الإقفال الذي يحصل على القلوب لكن إذا أقبلنا على هذه الساحة، نحن من بداية هذه المجالس نتكلم عن النية عن الباعث تتذكرون عن التوبة عن الخواطر التي تخطر على القلب، كيف يحفظ الإنسان قلبه عن الجوارح وهي النوافذ التي تصب على القلب كيف يحافظ الإنسان عليها، عن مداخل الشيطان كيف يـُكفاها، عن التفريق بين الخواطر كيف يتعامل معها، كل ذلك ليتهيأ القلب ليعمل.
مر معنا الكلام عن تطهير القلب من أمراضه من معاصي القلب؛ من الكبر من الرياء من الحسد مما يتفرع عن ذلك، تكلمنا عن طهارة الظاهر، تكلمنا عن حفظ الوقت، تكلمنا كيف تقوم الحياة على أساس أن الصلاة محور لهذه الحياة، تترتب الأوقات على أساس الصلاة، سرنا إلى النوافل والرواتب، وصلنا إلى الذكر، الذكر أوصلنا إلى إلى الفكر، الفكر أوصلنا إلى التدبر، وصلنا إلى حال من الطمأنينة، هذا الحال يحمل السالك السائر إلى الله على أن يعيش بتوظيف هذه العطايا التي هو في طريقه إلى الله يزداد منها في ميدان المعاملة مع الله، يبدأ العبد مع مرور الوقت عليه من الصباح إلى المساء مع مرور الأيام والليالي يشعر بأنه يُعامل من؟ الله، مع اختلاطه بالناس وما يخاطبونه به وما يعاملونه به، يُعامل الله، مع أحواله هو مع نفسه، يُعامل الله.

تشعر بالتكاسل ؟؟

شعرت في نفسك تكاسلا عن الطاعة، أقبلت بعد أن حضرت هذه المجالس أو سمعتها أو غيرها من مجالس الخير أو ما قذف الله في قلبك وبدأت تـُطبق هذا الكلام، جاءت عليك فترة بدأت تشعر فيها أن النفس بدأت تكسل، الملل السآمة الكسل، كيف تتعامل مع هذه المشكلة؟ أنت تتعامل مع الله، كيف تـُعامل هذه المشكلة التي في نفسك؟
1. الترغيب :
تأخذ من آيات الرجاء وأحاديث الرجاء، تتفكر في ما أكرم الله به الطائعين، عندما تعجز أوتتكاسل عن الخروج إلى المسجد، مرة من المرات كسلت نفسك ؛كل يوم كل يوم، بدأت تكسل بدأت تمل، تذكر أن السائر إلى المسجد على كل خطوة يخطوها ينال حسنة وتـُغفر له سيئة وتـُرفع له درجة، إذا ضعفت عن شيء من آداب الوضوء تذكرت أن هذا يجعل الوضوء سببا ًفي مغفرة ذنوبك، تخرج الذنوب مع آخر قطرات الوَضوء، إذا تكاسلت عن شيء من الرواتب التي تصليها تتذكر أنها تسد عجز أو الخطأ الفرائض التي ذهبت عنك من غير قصد، هذه معاني إذا تأملت فيها، ما أعطاه الله عزوجل للمتقين، ما أعطاه الله عزوجل للصابرين، فكلما وجدت تكاسلا من نفسك ذكرها، افتح لها أبواب الرجاء أبواب الطمع، لأن طبيعة النفس البشرية أنها إذا طمعت تحفزت كالولد الصغير، يا ولد اذهب للمدرسة آه طفشت،يا ولد ذاكر آه طفشت، آه طفشت حق الأطفال هذه هي موجودة عندي وعندك، ماهي؟ ملـّيت شغل الأطفال، الطفل الصغير ماذا تقول له أمه إذا وجدته ملّ عن المذاكرة تقول له لو ذاكرت أشتري لك حلوى، يقول لها حلاوة أكيد أمي؟ فيذهب، تأتيه الهمة.. إن عملت كذا سأعطيك كذا، هذه النفس التي يُحَفـّز بها الطفل هي نفسك هي هي لم تختلف لم تتغير، فالنفس البشرية تتحفز عندما تـُطَمّع بما ستـُعطى.
2. الترهيب :
أما إذا وجدت في نفسك إصراراً على المعصية ميلاً إليها استعذابا للمعصية، المعصية ليست فيها عذوبة فيها وهم العذوبة، وهم العذوبة تستعذبه النفس فإذا وجدت في نفسك استعذاباً أو ركوناً للمعصية أو ميلاً فهذا الوقت ليس وقت الرجاء الآن، هذا وقت الخوف، انتبه أنت لا تحتمل النار، ذكـّر نفسك بآيات العذاب وبأحاديث الترهيب، ما يحصل للعصاه، ما يقابلون به، إثم الغيبة، النميمة، أكل مال الناس بغير حق، الربا، الوقوع والعياذ بالله بالعلاقات التي لا تجوز، هذه الأشياء التي تهفو إليها النفس كلما وجدت فيها ميلاً إلى الحرام ذكرها بالعذاب ذكرها بالغضب.
3. التشويق :
إن كانت نفسك قد ارتقت قليلاً من ثمرة السير الذي بدأت به ذكرها بأشد عذاب في الوجود، تعرف ماهو أشد العذاب؟، طبعاً من أشد عذاب النار جهنم، لكن هناك عذاب أشد من جهنم، أن يعرض الله عنك أن لا ينظر الله إليك، انظر لما خاطب الحبيب صلى الله عليه وسلم ذوق الصحابة وذوق الأمة من ورائهم خوفهم من النار وذكر لهم الآيات التي في ذلك، لكن نبههم إلى ملمح قال: “ثلاثة لايكلمهم الله -هذا الإعراض- ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم“..
ما معنى قول النبي للصحابة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم؟ معنى هذا أن الحبيب يخاطب فينا الذوق، أنت تحب الله أنت تريد الله فإذا علمت أن هذا الفعل ستعاقب بسببه أن الله لن يكلمك، لن ينظر إليك، من الذي يفهم هذا الكلام؟ أهل الحب الحـَبّيبة كما يقولون، هم يفهمون هذا الكلام، إذا أحب إنسان انسان آخر بأي نوع من أنواع الحب أياً كانت هذه الصلة أو العلاقة راقية سافلة أياً كان لكن عنده حب -إن شاء الله محبتنا كلها تكون راقية- لكن إذا أحب هذا الإنسان إنسانا يمكن يتضايق لو أن هذا الإنسان شاتمه أو صرخ عليه أو غاضبه، لكن لو كان يحب بصدق سيتضايق أكثر لو أنه سكت عنه محبوبه، كلمني طيب عبرني خاطبني، يأتي إليه من هنا يعرض عنه يأتي من هنا يعرض، الذي يعرف الحب يُدرك هذا الكلام الذي أقوله الآن أن هذا أشد على الإنسان من أي شيء آخر، يقول كلمني ولو اشتمني بس كلمني، ياأخي اضربني بس لا تتركني هكذا، لماذا؟ لأنه يحبه فلم يطق هجره.
فإذا جاءك كلام يخبرك بأن هناك شيء قد يسبب والعياذ بالله أن يعرض الله عنك، هذه كبيرة، فلهذا السائر إلى الله بالتفكر بالفكر بالتدبر يعالج نفسه إذا وجد في نفسه تكاسلاَ عن الطاعة رغبها بالجنة بالعطاء بالإحسان بما أودع الله من نعيم بما وعد الله به الصادقين من كرم من فضل أصغر أهل الجنة يملك مثل الدنيا عشر مرات هذا أفقر أهل الجنة، أحوال المقبلين على الله عزوجل الذين رضيهم الله عزوجل، إذا قرأت فيها انتهضت همتك إلى الإقبال، ثم بعد ذلك إذا تذكرت العطاء الذي هو أكبر من الجنة وهو رضوان من يعطيك الجنة رضا الله عزوجل خالق الجنة…

نعبد الله للجنة أم للنار ؟!

احذر هنا من شطحات الشاطحين الذين يجعلون الكلام عن طلب رضوان الله والخوف من سخط الله مبرراً في الإستهانة بشأن الجنة والنار، أعوذ بالله، احذر هذا من مزالق الشيطان، يأتي الشيطان لبعض السائرين يقول ما الجنة وما النار أنت تريد الله، لا جنة ولا نار، لا!!، الجنة مَنّ الله بها أحبابه والنار خوف الله بها أولياءه، انتبهوا، فإذا ذُكِرت الجنة هامت قلوب الصادقين وإذا ذُكِرت النار ارتدعت قلوب الوجلين، لكن لا الجنة ولا النار هي المطلب، ما معنى؟ ليست هي العلة في عبادتنا لله؛ نحن لا نعبد الله من أجل الجنة والنار، لكن الجنة والنار تستحثنا في همتنا، نعبد الله لأنه أهل للعبادة.
* قصة : كانت رابعة العدوية رحمها الله وقفت على حد الإستقامة على هذا الباب، الناس بين تطرفين؛ شطح فما عاد يبالي لا بجنة ولا نار والعياذ بالله وهذا سوء أدب مع الله، أو صار نظره مقصور على الجنة والنار ولم يعد يتحرك لمعنى المعاملة مع خالق الجنة والنار، تحب إنسان يقول لك خذ هذه العطية، أخذت منه الهدية.. أوه هدية جميلة، بدأ يكلمك ما عدت تلتفت إليه، ناداك ما أجبته، ما هذا التصرف؟ شغلتك العطية عن المعطي، هذان تطرفان.
ما هو مسلك أهل الحق؟ مسلك أهل الحق يخافون من تخويف الله عباده من النار، ويطمعون فيما يطمع الله به عباده من الجنة، لكنهم لا يعبدونه من أجل ذلك، لهذا قالت رابعة رحمها الله (اللهم إني لا أعبدك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنتك، ولكني أعبدك لأنك أهلٌ للعبادة) سمعها بعض من لم يفهم قال يا رابعة، اتقي الله هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل الله الجنة واستعاذ به من النار، قالت: وأنا أسأل الله الجنة بل الفردوس الأعلى من الجنة وأستعيذ به من النار- فلم يفهم- لكنها ليست سبب عبادتي، أنا أعبده لأني أحبه لأنه أهلاً للعبادة -ما فهم الرجل- قالت له: يا هذا، أرأيت إن لم يخلق جنة ولا ناراً، أما كان أهلاً لأن يعبد؟ ما كان يستحق أن يُعبد؟ أهل للعبادة أو ليس بأهل؟؟

التدبر.. من تهذيب النفس إلى معاملة الله في الناس !!

ولهذا توظيف أوتوجيه لهذا الفكر والتدبر والذكر إلى معنى المعاملة مع الله ترقيك إلى رتبة تبدأ فيها بصلتك بالناس تعامل الله عزوجل أيضاً، فهمت؟ بصلتك بالناس تعامل الله عزوجل، أول بدأت مع نفسك، نفسك كسلت ذكرتها بالثواب والعطاء انتهضت، تجرأت على المعاصي خوفتها ارتدعت، هذا إعمال ثمرة الذكر والفكر والتدبر في النفس ثم بعد ذلك إعمال هذه الثمار بصلتك بالخلق.
لماذا تحب فلاناً؟ تقول والله ظريف دمه خفيف، أيضاً الكافر يحب الكافر إذا كان ظريفاً ودمه خفيفاً ما الفرق بينك وبينه؟، لماذا تحب فلان؟ لأنه يساعدني ويقف معي، حتى غير المؤمن نفس الشيء، الكلب الحمار الهرة تحب الذي يساعدها أيضاً ما الفرق بينك وبين ذلك؟
تعال تعال ما سمعت عن شيء اسمه الحب في الله، والذي ساعدني؟ نعم أنا أحبه في الله لأن الله جعله سبباً في جريان الخير إلي من لم يشكر الناس لم يشكر الله المسألة محلولة، المفارقة بين المؤمن وغير المؤمن لا تجعل غير المؤمن على التضاد لا تلغي في المؤمن إنسانيته وبشريته أبداً، لكن المفارقة تضيف على بشرية وإنسانية المؤمن إرتقاءً، أنا أحب من يحسن إلي، لكن لماذا أحبه؟ لأن الله أجرى الاحسان على يده إليّ، أحب الذي ينصحني لأن الله أجرى التنبيه على لسانه لي، أحب الذي عنده خفة دم ولطف لأن الله يدخل السرور على قلبي بسببه، فأنا أحب هذا لأن الله، وأحب هذا لأن الله، فحبي لهم من أجل من الله، صار حباً مرتبطاً بالله..

- لمزاح ..

شخص أضحكني لكن بشيء محرم ينفع أقول أحبه لأن الله أدخل السرور على قلبي بسببه بشيء محرم!!؟ ما أحب هذا، عرفتم الفرق؟، يا أخي هذه فلسفة، سيان أنا أحبه لأن دمه خفيف واختصر المسألة، نقول لا، أحبه لأن الله أدخل السرور على قلبي بواسطته على يده فإذا جاء يدخل السرور على قلبي بما يغضب الله نحب هذا؟ لا، حتى لو أرادت نفسي أن تتمتع، نكتة مضحكة لكن فيها شيء محرم، ياأخي مضحكة لا تثقل علينا تكدر تشدد علينا، لا لا، أنا أوسع عليك هذا لك، هذه النكتة المضحكة بشيء محرم يغضب الله هل سيدوم فرحك بها؟ ضحكت نصف دقيقة تضحك أكثر منها دقيقة دقيقتين تضحك أكثر من خمس دقائق بسبب نكتة؟ ما أظن وإلا صارت مرضاً، طيب خمس دقائق أضحكك فيها وأوقات أبكاك فيها في قبرك لأنك رضيت أن تسمع الحرام وأقررت بالحرام، أوقاتاً أبكاك فيها يوم القيامة أوقاتا أحرجك فيها عندما تقف بين يدي الله ويسألك عن قيمة السمع التي أعطاك إياه فأصغيت به بما لا يرضيه، غيبة نميمة لكنها مضحكة بطريقة مضحكة، أنت الآن ترفض، لماذا؟ لأن الإضحاك هنا لم يتصل بالله لم يكن على وصف يُرضي الله، لاحظتم الفرق؟
* مزح النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ..
الحبيب صلى الله عليه وسلم كان له من الصحابة صاحباً اسمه نعيمان يُضحك رسول الله ينكت كثيراً ويعمل مقالب مع الصحابة ولكن بوصف فيه الرضى ويلاطفهم ويضحكون، مرة جاء برجل أعرابي يبيع العسل ووجد ان الاعرابي يشكو، ما أحد يشتري مني العسل لم يُشترى عسلي، قال أنا آخذك إلى من يشتري منك العسل، أعرابي أول مرة يدخل المدينة.. أخذه وأوقفه على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال انتظر وأخذ العسل ودخل إلى رسول الله وقال يا رسول الله هذا هدية لك وانصرف، وقال لهذا الأعرابي لقد اشترى صاحب هذا البيت العسل وسيخرج يعطيك المال، خرج رسول الله فأمسك به الأعرابي وقال أين المال، قال أي مالٍ قال مال العسل، قال أهدانيه نعيمان، قال إنه عسلي، فضحك رسول الله وقال فعلها نعيمان أجزلوا العطاء للأعرابي، فأخذ الأعرابي ماله.
كان في نكت، كان في مقالب، لكن لم يثنهم ذلك قط على أن يكونوا مع الله كانوا يضحكون.. تأتي عجوز تقول يا رسول الله ادعوا الله أن يدخلني الجنة، قال لا تدخل الجنة عجوز، آه يا رسول الله، قال تعودين شابة ثلاثة وثلاثين سنة عمرك.
أوجد هذا المعنى لكن على وصف يرضي الله نضحك في الدنيا ونضحك في الآخرة لا نضحك في الدنيا مع أناس يضحكونا قليلاً ويبكونا كثيراً، هذه ثمرة إعمال الفكر أثناء التعامل مع الخلق.

- معروف الناس ..

إنسان أجرى الله على يديه معروفاُ لك مصلحة، مساعدة مالية أو وظيفة أو انقاذ من موقف أياً كان، إما أن يحجبك عن الله أو يزيدك قرباً من الله ما هناك ثالث، ما يمكن ان يكون حياد في التعامل مع البشر، إما أن يكون تعاملك مع الخلق يزيدك قربا من الله أو يبعدك عن الله والعياذ بالله إذا لم تتنبه. هذا أحسن إليك، من الذي أحسن إليك؟ الله، أجرى الله الإحسان على يد عبده فلان فمن الذي أجرى لك الإحسان، الله، هذا فكر، تتكلمون عن المفكرين هذا الفكر، أجرى الله على يده الإحسان إليك.
يوم من الأيام شخص يقول لك أحسن إليك لكن مقابل أن تغير شيء بالعمل تغش مقابل أن تقبل تمريرة الشيء الفلاني بما لا يجوز، حرام أو إضرار بالناس أو سرقة أو أكل أموال الناس بغير الحق أو أذى للبشر، كيف تتعامل معه؟ أنت تحبه هو الذي أحسن إليك، إذا كنت تنظر من زاوية فلان له فضل علي أحسن إلي قد تخجل ها؟ قد تضطر تمضيها له أو تطمع أن يعطيك مرة ثانية تمضيها له، لكن إن كنت تنظر على أن الله أجرى الخير إليك على يده، كيف الله سيجري خير على يد فلان بشيء يغضبه!!! لا والله لا أغضبه أبداً أنا أنتظر الخير مِن مَن؟ من الله فإذا كنت أنتظر العطاء من الله أوافق أحداً من خلقه لأن الله أجرى على يده الخير على معصيته؟ على ما يغضبه؟ أنا انتظر منه العطاء إذاً لا أخالفه أبداً، لا!! جزاك الله خير أحسنت إلي فيما وأسأل الله أن يثيبك ولعل الله يقدرني أن أرد لك المعروف يوماً من الأيام لكن لن أعصيه من أجلك أبداً، لماذا لا تعصيه؟ لأني أشهد أن الله يعطيني على يد فلان وليس فلان الذي يعطيني.
أرأيتم الفرق بين أن ننظر في معاملاتنا مع البشر على أن البشر يستقلون بالنفع بالضر بإدخال الحزن بإدخال الفرح بالإغضاب بالخوف وبين أنهم آلة كما يقول بعض العوام عندنا في حضرموت في اليمن.. يقولون الكون آلة بيد الجلالة، آلات ينفذون ما يسيرهم الله تعالى به إما عطاء لعباده أو ابتلاءً لعباده..

ننصرف من هذا المجلس

فهمنا؟، هل وصل المقصود؟ يا رب، إذا وصل المقصود إلى قلبك تحولت حياتك كلها في معاملتك للخلق لكن الكلام هذا مقنع صحيح؟، لكن هناك مسافة بين الإقتناع به وبين تطبيقه، تعرف ما هي هذه المسافة؟ أيها السائر إلى الله أيها المريد أيها الراغب في قرب الله، المسافة بين سماع هذا الكلام والإقتناع به وقبوله والفرح به وبين تحويله إلى واقع أنت، نفسك، النفس فقط هي المسافة، متى ما أقبلت على النفس لتطلب ارتقاء هذه النفس لتطلب سمو هذه النفس اشتغل على نفسك بالله عزوجل، انظر كيف يتحول هذا الكلام من معاني تتذوقها تعجبك إلى حياة تعيشها.
في البداية ابدأ بتقويم ألفاظك.. ابدأ روض نفسك، بدل ما تقول فلان أعطاني، أجرى الله لي على يد فلان، أو فلان رتب كذا، ابتلاني الله على يد فلان، فلان تسلط علي، سَلطه الله علي بكذا وكذا لعل الله يريد أن يذكرني، كيف؟؟؟ انتبه للمسألة هذه: فلان مجرم فعل بي آذاني، فلان سلطه الله علي إن شاء الله يرفع عني هذا التسليط.. ما الذي يترتب على كلمة سلطه الله علي؟، لا ليس الاستسلام للسوء الذي يفعله فلان، يترتب على ذلك محاسبة النفس الرجوع إلى النفس، أين الأخطاء التي ارتكبتها؟ أين الذنوب التي فعلتها؟ أين الإساءة التي أسأت بها إلى بعض الخلق ربما ممن هم أضعف مني فسلط الله علي آخر؟ أبدأ أحاسب نفسي لكي أتبصر كيف أرد هذا الأذى كيف أستعين بالله على رد هذا التسليط “أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك“، هذا سيوصلنا من هذه الميادين إلى ميدان الإقبال على النفس للعمل على ارتقاء أنفسنا مستعينين بالله عزوجل في مراتب ترقي النفس.
يقولون الأنفس سبعة.. أول هذه الأنفس، النفس الأمارة بالسوء (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ)، ثم تبدأ ترتقي من الأمارة إلى اللوامة إلى الملهمة إلى المطمئنة إلى الراضية إلى المرضية إلى الكاملة هذه سبع مراتب للنفس.. وهو ما يأتي الحديث عنه إن شاء الله عز وجل في المجلس القادم، ارتقاء السائر إلى الله في مراتب تزكية النفس .
أسأل الله عزوجل أن يرزقنا وإياكم كمال ذلك يا رب.. أجريت على لسان عبدك الفقير المذنب المخطئ المقصر شيئأً من كلام أهل الصدق معك مما ذكروه في كتبهم أو علموه لطلابهم مما ورثوه عن نبيك صلى الله عليه وسلم، نسألك الله أن تنظر إلينا نظرة تلهمنا بها من التوفيق ما نتهيأ به لكمال الإقبال عليك وصدق المعاملة معك، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.

متن الجوهرة فِي التوحيد للإمام برهان الدين إبراهيم بن هارون اللقاني

متن الجوهرة
فِي التوحيد
للإمام برهان الدين إبراهيم بن هارون اللقاني
1- الحَمْدُ لِلّهِ عَلَى صِلاَتِهِ = ثُمَّ سَلاَمُ اللهِ مَعْ صَلاَتِهِ

2- عَلَى نَبِيّ جَاءَ بِالتَّوْحِيدِ = وَقَدْ عَرَى الدِّينُ عَنِ التَّوْحِيدِ

3- فَأَرْشدَ الخَلْقَ لِدِينِ الحَقِّ = بِسَيْفِهِ وَهَدْيِهِ لِلحَقِّ

4- مُحَمَّدِ الْعَاقِبْ لِرُسْلِ رَبِّهِ = وَآلِهِ وَصْحِبِهِ وَحِزْبِهِ
 
5- وَبَعْدُ: فَالْعِلْمُ بأَصْلِ الدِّينِ = مُحَتَمٌ يَحْتَاجُ لِلتَّبْيِين

6- لكِنْ مِنَ التَّطْوِيِل كَلَّتِ الْهِمَمْ = فَصَارَ فِيهِ الاِخْتِصَارُ مُلْتَزَمْ

7- وَهذِهِ أُرْجُورَةٌ لَقَّبْتُهَا: = [جوْهَرَةَ التَّوْحِيدِ]. قَدْ هَذَّبْتُهَا

8- وَاللهَ أَرْجُو فِي الْقَبُولِ نَافِعًا = بِهَا مُرِيدًا فِي الثَّوابِ طَامِعًا
 9- فَكُلُّ مَنْ كُلَّفَ شَرْعًا وَجَبَا = عَلَيْهِ أَنْ يَعْرِفَ: مَا قَدْ وَجَبَا

10- لِلّهِ وَالجَائرَ وَالمُمْتَنِعَا = وَمِثْلَ ذَا لِرُسْلِهِ فَاسْتَمِعَا

11- إِذْ كُلُّ مَنْ قَلَّدَ فِي التَوْحِيدِ = إِيمَانُهُ لَمْ يَخْلُ مِنْ تَرْدِيدِ

12- فَفِيهِ بَعْضُ الْقَوْمِ يَحْكِي الخُلْفَا = وَبَعْضُهُمْ حَقَّقَ فِيهِ الْكَشْفَا

13- فَقَالَ: إِنْ يَجْزِمْ بِقَوْلِ الْغَيْرِ = كَفَى وَإِلا لَمْ يَزَلْ فِي الضَّيْرِ

14- وَاجْزِمْ بِأَنَّ أَوَّلاً مِمَّا يَجِبْ = مَعَرِفَةٌ وَفِيهِ خُلْفٌ مُنْتَصِبْ

15- فَانْظُرْ إِلَى نَفْسِكَ ثُمَّ انْتَقِلِ = لِلْعَالمَ العُلوِيِّ ثُمَّ السُّفْلِي

16- تَجِدْ بِهِ صُنْعًا بَدِيعَ الْحِكَمِ = لكِنْ بِهِ قامَ دَلِيلُ الْعَدَمِ

17- وَكُلُّ مَا جَازَ عَلَيْهِ الْعَدَمُ = عَلَيْهِ قَطْعًا يَسْتَحِيلُ الْقِدَمُ

18- وَفَسِّرَ اْلإِيمَانُ: بِالتَّصْدِيقِ = وَالنُّطْقُ فِيهِ الخَلْفُ بِالتَّحْقِيقِ

19- فَقِيلَ: شَرْطٌ كالْعَمَلْ. وَقِيلَ: بَلْ = شَطْرٌ وَالإِسْلاَمِ اشْرَحَنَّ بِالْعَمَلْ

20- مِثَالُ هذَا: الحَجُّ وَالصَّلاَةُ = كَذَا الصِّيَامُ فَادْرِ وَالزَّكاةُ

21- وَرُجِّحَتْ: زيَادَةُ اْلإِيمَانِ = بِمَا تَزِيدُ طَاعَةُ اْلإِنْسَانِ

22- وَنَقَصُهُ بِنَقْصهَا. وَقِيلَ: لاَ = وَقِيلَ لاَ. خُلْفَ كَذَا قَدْ نقلاَ
 23- فَوَاجبٌ لهُ: الْوُجُودُ وَالْقِدَمْ = كَذَا بَقَاءٌ لاَ يُشَابُ بِالْعَدَمْ

24- وَأَنَّهُ لِمَا يَنَالُ الْعَدَمُ = مُخَالفٌ بُرْهَانُ هذَا الْقِدَمُ

25- قِيَامُهُ بِالنَّفس وَحْدَانيَّهْ = مُنَزَّهًا أَوْصَافُهُ سَنِيَّهْ

26- عَنْ ضِدٍّ أَوْ شِبْهٍ شَرِيكٍ مُطْلَقَا = وَوَالَدٍ كَذَا الْوَلَدْ وَاْلأَصْدِقَا

27- وَقُدْرَةٌ إِرَادَةٌ وَغَايَرَتْ = أَمْرًا وَعِلْمًا وَالرِّضَا كما ثَبَتْ

28- وَعِلْمُهُ وَلاَ يُقَالُ مُكْتَسَبْ = فَاتْبَعْ سِبِيلَ الحَقِّ وَاطرَحِ الرِّيَبْ

29- حَيَاتُهُ كَذَا الْكَلاَمُ السَّمْعُ = ثُمَّ الْبَصَرْ بَذِي أَتَانَا السَّمْعُ

30- فَهَلْ لَهُ إِدْرَاكٌ أًوْ لاَ خُلْفُ = وَعِنْدَ قَوْمٍ صَحَّ فِيهِ الْوَقْفُ

31 - حَيٌّ عَلِيمٌ قادِرٌ مُرِيدُ = سَمِعْ بَصِيرٌ مَا يَشَا يُرِيدُ

32- مُتْكَلِّمٌ ثُمَّ صِفَاتُ الذَّاتِ = لَيْسَتْ بِغَيْرٍ أَوْ بِعَيْنِ الذَّاتِ

33- فَقُدْرةٌ بِمُمْكِنٍ تَعَلَّقَتْ = بِلاَ تَنَاهِي مَا بِهِ تَعَلَّقَتْ

34- وَوَحْدَةً أَوْحِتْ لَهَا وَمِثْلُ ذِي = إِرَادَةٌ وَالْعِلْمُ لكِنْ عَمَّ ذِى

35- وَعَمَّ أَيْضًا وَاجِبًا وَالمُمْتَنِعْ = وَمِثلُ ذَا كَلاَمُهُ فَلْنَتَّبِعْ

36- وَكُلُّ مَوْجُودٍ أَنِطْ لِلسَّمْعِ بِهْ = كَذَا الْبَصَرْ إِدْرَاكُهُ إِنْ قِيلَ بِهْ

37- وَغَيْرُ عِلْمٍ هذِهِ كما ثَبَتْ = ثُمَّ الحَيَاةُ مَا بشَيْ تَعَلَّقَتْ
38- وَعِنْدَنَا أَسْمَاوُهُ الْعَظِيمَهْ = كَذَا صفَاتُ ذَاتِهِ قَدِيمَهُ

39- وَاخْتِيرَ أَنَّ اسْمَاهُ تَوقِيفِيَّهْ = كَذَا الصِّفَاتُ فاحْفَظِ السَّمْعْيَّهْ

40- وَكُلُّ نَصٍ أَوْهَمَ التَّشْبِيهَا = أَوِّلْهُ أَوْ فَوِّضْ وَرُمْ تَنْزِيهَا

41- وَنَزّهِ الْقُرْآنَ أَيْ كَلاَمَهْ = عَنِ الحُدُوثِ وَأحْذَرِ انِتْقَامَهْ

42- وَكُلُّ نَصٍ لِلْحُدُوثِ دَلاَّ = اِحْمِلْ عَلَى اللَّفْظِ الذَّي قَدْ دَلاَّ

43- وَيَسْتَحِيلُ ضِدُّ ذِى الصِّفَات = فِي حَقِّهِ كالْكَوْن فِي الْجِهَاتِ

44- وَجَائِزٌ فِي حقِّهِ مَا أَمْكَنَا = إِيجَادًا إعْدَامًا كَرَزْقِهِ الْغِنَا
 45- فَخَالِقٌ لِعَبَدْه وَمَا عَمِلْ = مُوَفِّقٌ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِلُ

46- وَخَاذِلٌ لِمَنْ أَرَادَ بُعْدَهُ = وَمُنْجِزٌ لِمَنْ أَرَادَ وَعْدَهُ

47- فَوْزُ السَّعِيدِ عِنْدَهُ فِي اْلأَزّلِ = كَذَا الشَّقُّيِ ثُمَّ لَمْ يَنْتَقِلِ

48- وَعِنْدَنَا لِلْعَبْدِ كَسْبٌ كُلِّفَا = بِهِ وَلكِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ فَاعْرِفَا

49- فَلَيْسَ مَجْبُورًا وَلاَ اخْتِيَارَا = وَلَيْسَ كَلاًّ يَفْعَلُ اخْتِيَارَا

50- فَإِنْ يُثِبْنَا فَبِمَحْضِ الْفَضْلِ = وَإِن يُعَذِّبْ فَبِمَحْص الْعَدْلِ

51- وَقَوْلُهُمْ: إِنَّ الصَّلاَحَ وَاجِبٌ = عَلَيْهِ زُورٌ مَا عَلَيْهِ وَاجِبُ

52- أَلَمْ يَرَوْا إيلاَمَهُ اْلأَطْفَالاَ = وَشِبْهَهَا فَحَاذِرِ المُحَالاَ

53- وَجَائِزٌ عَلَيْهِ خَلْقُ الشِّرِّ = وَالْخَيْرِ كالإِسْلاَمِ وَجَهْلِ الْكُفْرِ

54- وَوَاجِبٌ إِيمَانُنَا بِالْقَدَرِ = وَبِالْقَضَا كما أَتَى فِي الْخَبَرِ

55- وَمِنْهُ أَنْ يُنْظَرَ بِاْلأَبْصَارِ = لكِنْ بِلاَ كَيْفٍ وَلاَ انْحِصَارِ

56- لِلْمُؤُمِنِينَ إِذْ بِجَائِزْ عُلِّقَتْ = هذِا وَلِلْمُخْتَارِ دُنْيَا ثَبَتَتْ
57- وَمِنْهُ: إِرْسَالُ جَمِيعِ الرُّسْلِ = فَلاَ وُجُوبَ بَلْ بِمَحْضِ الْفَضْلِ

58- لكِنْ بِذَا إِيمَانُنَا قَدْ وَجَبَا = فَدَعْ هَوَى قَوْمٍ بِهِمْ قَدْ لَعِبَا

59- وَوَاجِبٌ فِي حَقِّهِمْ: الأمَانَةْ = وَصِدْقُهُمْ وَضِفْ لَهَا الْفَطَانَهْ

60- وَمِثْلُ ذَا تَبْلِيغُهُمْ لِمَا أَتَوْا = وَيَسْتَحيلُ ضِدُّهَا كما رَوَوْا

61- وَجَائِرٌ فِي حَقِّهِمْ كاْلأَكْلِ = وَكالْجِمَاعِ لِلنَّسَا فِي الْحِلِّ
62- وَجَامِعٌ مَعْنَى الذَّيِ تَقَرَّرَا: = شَهَادَتَا اْلإِسْلاَمِ فَاطْرَحِ الْمِرَا

63- وَلَمْ تَكُنْ نُبْوَّةٌ مُكْتَسَبَةْ = وَلَوْ رَقَى فِي الْخَيْرِ أَعْلى عَقَبَهْ

64- بَلْ ذاكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ لِمَنْ = يَشَاءُ جَلَّ اللهُ وَاهِبُ الِمِنَنْ
  65- وَأَفْضَلُ الخَلْق عَلَى اْلإِطْلاَقِ = [نبِيُّنَا] فَمِلْ عَنِ الشِّقَاقِ

66- وَاْلأَنْبِيَا يَلُونَهُ فِي الْفَضْلِ = وَبَعْدَهُمْ ملاَئِكَة ذِي الْفَضْلِ

67- هذَا وَقَوْمٌ فَصَّلُوا إِذْ فَضَّلُوا = وَبَعْضُ كُلٍّ بَغْضَهُ قَدْ يَفْضُلُ

68- بِالمُعْجِزَاتِ أُيدُوا تَكَرُّمَا = وَعِصْمَةَ الْبَارِي لِكُلٍّ حَتِّمَا

69- وَخُصَّ خَيْرُ الخَلْقِ أَنْ قَدْ تَمَّمَا = بِهِ الجَمِيعَ رَبُّنَا وَعَمَّمَا

70- بِعْثَتُهُ فَشَرْعُهُ لاَ يُنْسَخُ = بِغَيْرهِ حَتَّى الزَّمَانُ يُنْسَخُ

71- وَنَسْخُهُ لِشَرْعِ غَيْرهِ وَقَعْ = حَتْمًا أَذَلَّ اللهُ مَنْ لَهُ مَنَعْ

72- وَنَسْخَ بَعْضِ شَرْعِهِ بِالْبَعَضِ = أَجِزْ وَمَا فِي ذَا لَهُ مِنْ غَضٍّ

73- وَمُعْجِزَاتُهُ كَثِيرَةٌ غُرَرْ = مِنْهَا كَلاَمُ اللهِ مُعْجِزُ الْبَشَرْ

74- وَاجْزِمْ بِمِعْرَاجِ النَّبِي كما رَوَوْا = وَبَرِّئَنْ لِعَائِشَهْ مِمَّا رَمَوْا
 75- وَصَحْبُهُ خَيْرُ الْقُرُونِ فَاسْتَمِعْ = فَتَابِعِي فَتَابِعٌ لِمَنْ تَبِعْ

76- وَخَيْرُهُمْ مِنْ وُلِّيَ الْخِلاَفَهْ = وَأَمْرُهُمْ فِي الْفَضْلِ كالْخِلاَفَهْ

77- يَلِيهُمُ قَوْمٌ كَرِامٌ بَرَرَهْ = عِدَّتُهُمْ سِتٌّ تَمَامُ الْعَشَرَهْ

78- فَأَهْلُ بَدْرٍ الْعَظِيمِ الشَّانِ = فَأَهْلُ أُحْدٍ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ

79- وَالسَّابِقُونَ فَضْلُهُمْ نَصًّا عُرِفْ = هذَا وَفِي تَعْيِينِهِمْ قَدِ اخْتُلِفْ

80- وَأَوِّلِ التَّشَاجُرَ الذَّيِ وَرَدْ = إِنْ خُضْتَ فِيهِ وَاجْتَنِبْ دَاءَ الحَسَدْ

81- وَمَالِكٌ وَسَائِرُ اْلأَئِمَّهْ = كَذَا أَبُو الْقَاسِمْ هُدَاةُ اْلأُمَّهْ

82- فَوَاجِبٌ تَقْلِيدُ حَبْرٍ مِنْهُمُ = كَذَا حكى الْقَوْمُ بِلَفْظٍ يُفْهَمُ
83- وَأَثْبِتَنْ لِلأَوْلِيَا الْكَرَامَهْ = وَمَنْ نَقَاهَا فَانْبذَنْ كَلاَمَهْ

84- وَعِنْدَنَا أَنَّ الدُّعاءَ يَنْفَعُ = كما مِنَ الْقُرْآنِ وَعْدًا يُسْمعُ

85- بِكُلِّ عَبْدٍ حَافِظُونَ وُكِّلُوا = وَكاتِبُونَ خِيرَةٌ لَنْ يُهْمِلُوا

86- مِنْ أَمْرِهِ شَيْئًا فَعَلْ وَلَوْ ذَهِلْ = حَتَّى اْلأَنِينَ فِي المَرَضْ كما نُقِلْ

87- فَحاسِبِ النَّفْسَ وَقِلَّ اْلأَمَلاَ = فَرُبَّ مَنْ جَدَّ لأِمْرٍ وَصَلاَ
88- وَوَاجِبٌ إِيمَانُنَا بِالْمَوْتِ = وَيَقْبِضُ الرُّوحَ رَسُولُ المَوْتِ

89- وَمَيِّتٌ بِعُمْرِهِ مَنْ يُقْتَلُ = وَغَيْرُ هذَا بَاطِلٌ لاَ يُقْبَلُ

90- وَفِي فَنَا النفْس لَدَى النَّفْخِ اخْتُلِفْ = وَاسْتَظْهَر السُّبْكِى بقَاهَا اللَّذْ عُرفْ

91- عَجْبَ الذَّنَبْ كالرُّوحِ لكِنْ صَحَّحَا = الْمُزَنِيُّ لِلْبِلَى وَوَضَّحَا

92- وَكُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ قَدْ خَصَّصُوا = عُمُومَهُ فَاُطْلُبْ لِمَا قَدْ لخَصُوا

93- وَلاَ تَخُضْ فِي الرُّوحِ إِذْ مَا وَرَدَا = نَصٌّ مِنَ الشَّارِعِ لكِنْ وُجِدَا

94- لِمَالِكٍ هِيَ صُورَةٌ كالجَسَدِ = فَحَسْبُكَ النَّصُّ بِهذَا السَّنَدِ

95- والْعَقْلُ كالرُّوحِ وَلكِنْ قَرَّرُوا = فِيهِ خِلاَفًا فَانْظُرَنْ مَا فَسَّرُوا
96- سُؤَالُنَا ثُمَّ عَذَابُ الْقَبْرِ = نَعِيمُهُ وَاجِبْ كَبَعْثِ الحَشْرِ

97- وَقُلْ يُعَادُ الْجِسْمُ بِالتَّحْقِيقِ = عَنْ عَدَمٍ وَقِيلَ عَنْ تَفْرِيقِ

98- مَحْضَيْنِ لكِنْ ذَا الْخِلاَفُ خُصَّا = بِاْلأَنْبِيَا وَمَنْ عَلَيْهمْ نُصَّا

99- وَفِي إِعَادَةِ الْعَرَضْ قَوْلاَنِ = وَرُجِّحَتْ إِعَادَةُ اْلأَعيْان

100- وَفِي الزَّمَنْ قَوْلاَنِ وَالْحِسَابُ = حَقٌ وَمَا فِي حَقٍ ارْتِيَابُ

101- فَالسَّيِّئَاتُ عِنْدَهُ بِالْمِثْلِ = وَالحَسَنَاتُ ضُوعَفتَ بِالْفَضْلِ

102- وَبِاجْتِنَابٍ لِلْكَبَائِرْ تُغْفَرُ = صَغَائِرٌ وَجَا الْوُضُو يُكَفِّرُ
103- وَالْيَوْمُ الآخِرْ ثُمَّ هَوْلُ المَوْقِفِ = حَقٌ فَخَفَّفْ يَا رَحِيمُ وَأَسْعِفِ

104- وَوَاجِبٌ أَخْذُ الْعِبَادِ الصُّحُفَا = كما مِنَ الْقُرْآنِ نَصًّا عُرِفَا

105- وَمِثْلُ هذَا: الْوَزْنُ وَالمِيزَانُ = فَتُوزَنُ الْكُتْبُ أَوْ اْلأَعْيَانُ

106- كَذَا الصِّرَاطُ فَالْعِبَادُ مُخْتَلِف = مُرُورُهُمْ فَسَالِمٌ وَمُنْتَلِفْ

107- وَالْعرْشُ وَالْكُرْسِيُّ ثُمَّ الْقَلَمُ = وَالْكاتِبُونَ اللَّوْحُ كُلٌّ حِكَمُ

108- لاَ لاِحْتِيَاجٍ وَبِهَا اْلإِيمَانُ = يَجِبْ عَلَيْكَ أَيُّهَا اْلإِنْسَانُ

109- وَالنَّارُ حَقٌّ أُوجِدَتْ كالْجَنَّهْ = فَلاَ تَمِلْ لِجَاحدٍ ذِي جِنَّهْ

110- دَار خُلُودٍ للسَّعِيد وَالشَّقِي = مُعَذَّبٌ مُنَعَّمٌ مَهْمَا بَقِى

111- إِيمَانُنَا بَحوْضِ خَيْرِ الرُّسْلِ = حَتْمُ كما جَاءَنَا فِي النَّقْل

112- يَنَالُ شُرْبًا مِنْهُ أَقْوَامٌ وَفَوْا = بِعَهْدِهِمْ وَقُلْ يُذَادُ مَنْ طَغَوْا

113- وَوَاجِبٌ شَفَاعَةُ المُشَفَّعِ = [مُحَمَّدٍ] مُقَدَّمًا لاَ تَمْنَعٍ

114- وَغَيْرُه مِنْ مُرْتَضى اْلأَخْيَارِ = يَشْفَعْ كما قَدْ جَاءَ فِي اْلأَخْبَارِ

115- إِذْ جَائِزٌ غُفْرَانُ غَيْرِ الْكُفْرِ = فَلاَ نُكَفَّرْ مُؤْمِنًا بِالْوزْرِ

116- وَمَنْ يَمُتْ وَلَمْ يَتُبْ مِنْ ذنْبِهِ = فَأَمْرُهُ مُفَوَّضٌ لِرَبِّهِ

117- وَوَاجِبٌ تَعَذِيبُ بَعْضٍ ارْتَكَبْ = كَبِيرَةً ثُمَّ الْخُلُودُ مُجْتَنَبْ

118- وَصِفْ شَهِيدَ الحَرْبِ بِالْحَيَاةِ = وَرِزْقَهُ مِنْ مُشْتَهى الجَنَّاتِ
  119- وَالرِّزْقُ عِنْدَ الْقَوْمِ مَا بِهِ انْتُفِعْ = وَقِيلَ لاَ بَلْ مَا مُلِكْ وَمَا اتُّبِعْ

120- فَيَرْزُقُ اللهُ الحَلاَلَ فَاعْلَمَا = وَيَرْزُقُ المَكْرُوهَ وَالمُحَرَّمَا

121- فِي الاِكْتِسَابِ وَالتَّوَكُّلِ اخْتُلِفْ = وَالرَّاجِحُ التَّفْصِيلُ حَسْبَما عُرِفْ
122- وَعِنْدَنَا الشَّيْءُ هُوَ المَوْجُودُ = وَثَابِتٌ فِي الْخَارِجِ المَوْجُودُ

123- وُجُودُ شَيْءٍ عَيْنُهُ وَالْجَوْهَرُ = الْفَرْدُ حَادِثٌ عِنْدَنَا لاَ يُنْكَرُ
124- ثُمَّ الذُّنُوبُ عِنْدَنَا قِسْمانِ: = صَغِيرَةٌ كَبِيرَةٌ فَالثَّانِي

125- مِنْهُ الْمَتَابُ وَاجِبٌ فِي الْحَالِ = وَلاَ انْتِقَاضَ إِنْ يَعُدْ لِلْحَالِ

126- لكِنْ يُجَدِّدُ تَوْبَةً لِمَا اقْتَرَفْ = وَفِي الْقَبْولِ رَأْيُهُمْ قَدِ اخْتَلَفْ
127- وَحِفْظُ دِينٍ ثُمَّ نَفْسٍ مَالْ نَسَبْ = وَمِثْلُهَا عَقْلٌ وَعِرْضٌ قَدْ وَجَبْ

128- وَمَنْ لِمَعْلُومٍ ضَرُورَةً جَحَدْ = مِنْ دِينِنَا يُقْتَلُ كُفْرًا لَيْسَ حَدّْ

129- وَمِثْلُ هذَا مَنْ نَفى لِمُجْمَعِ = أَوِ اَسْتَبَاحَ كالزَّنَا فَلْتَسْمَعِ
130- وَوَاجِبٌ نَصْبُ إِمَامٍ عَدْلِ = بِالشَّرْعِ فَاعْلَمْ لاَ بِحُكْمِ الْعَقْلِ

131- فَلَيْسَ رُكْنًا يُعْتَقَدْ فِي الدِّينِ = فَلاَ تَزغْ عَنْ أَمْرِهِ المُبِينِ

132- إِلاَّ بِكُفْرٍ فَانْبِذَنَّ عهْدَهُ = فَاللهُ يَكْفِينَا أَذَاهُ وَحْدَهُ

133- بَغِيْرِ هذَا لاَ يُبَاحُ صَرْفُهُ = وَلَيْسَ يُعْزَلْ إِنْ أُزِيلَ وَصْفُهُ
 134- وَأَمُرْ بِعُرْفٍ وَاجْتَنِبْ نَمِيمَهْ = وَغِيبَةً وَخَصْلَةً ذَمِيمَهْ

135- كالْعُجْبِ وَالْكِبْرِ وَدَاءِ الحَسَدِ = وَكالْمِرَاءِ وَالجَدَلْ فاعْتَمدِ

136- وَكنْ كَمَا كانَ خِيَارُ الخَلْقِ = حَلِيفَ حِلْمٍ تَابِعًا لِلْحَقِّ

137- فَكُلُّ خَيْرٍ فِي اتِّبَاعِ مَنْ سَلَف = وَكُلُّ شَرٍ في ابْتدَاعِ مِنْ حَلَفْ

138- وَكُلُّ هَدْيٍ لِلنَّبِّي قَدْ رَجَحْ = فَمَا أُبِيحَ افْعَلْ وَدَعْ مَا لَمْ يُبَحْ

139- فَتَابِعِ الصَّالِحَ مِمَّنْ سَلَفَا = وَجَانِبِ الْبِدْعَةَ مِمَّنْ خَلَفَا
140- هذَا وَأَرْجُو اللهَ فِي اْلإِخْلاصِ = مِنَ الرَّيَاءٍ ثُمَّ فِي الْخَلاَصِ

141- مِنَ الرَّجِيمِ ثُمَّ نفْسِي وَالْهَوَى = وَمَنْ يَمِلْ لِهؤُلا قَدْ غَوَى

142- هذَا وَأَرْجُو اللهَ أَنْ يْمنحَنَا = عِنْدَ السُّؤَالِ مُطْلقًا حَجَّتَنَا

143- ثُمَّ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ الدَّائِمُ = عَلَى نَبِيٍ دَأَبُهُ المَرَاحِمُ

144- [مُحَمَّدٍ] وَصَحْبِهِ وَعِتْرَتِهْ = وَتَابِعٍ لِنَهْجِهِ مَنْ أَمَّتِهْ
        

مَـتــْنُ العَقيدَةِ الطَّحاوِيــَّةِ

مَـتــْنُ العَقيدَةِ الطَّحاوِيــَّةِ

ألفها
العَلاَّمَةُ حُجَّةُ الإِسْلامِ أَبُو جَعْفَرٍ الوَرَّاقُ الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالى
بسم الله الرحمن الرحيم
 هَذا ما رَواهُ الإْمامُ أَبو جَعْفَرٍ الطَّحاوِيُّ في ذِكْرُ بَيانِ اعْتِقادِ أَهْلِ السُّــنَّةِ وَالجَماعَةِ عَلى مَذهَبِ فُقَهَاءِ المِلَّةِ أَبي حَنيفَةَ النُّعْمانِ بْنِ ثابـِتٍ الكُوفِيِّ، وَأَبي يُوسُفَ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْراهيمَ الأَنْصَارِيِّ، وَأَبي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ الشَّيْبانِيِّ ـ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعين، وَمَا يَعْتَقِدُونَ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ وَيَدِينُونَ بـِهِ لِرَبَّ العَالَمِينَ.
قالَ الإِمامُ وَبـِهِ قَالَ الإِمامانِ المَذْكُورانِ رَحِمَهُما اللَّهُ تَعالى: نَقُولُ في تَوْحيدِ اللَّهِ مُعْتَقِدينَ، بـِتَوْفيقِ
 إِنَّ اللَّهَ تَعالى وَاحِدٌ لا شَرِيكَ لَهُ، وَلا شَيْءَ مِثْلُهُ، وَلا شَيْءَ يُعْجِزُهُ، وَلا إِلهَ غَيْرُهُ، قَدِيْمٌ بـِلا ابْتِدَاءٍ، دَائِمٌ بـِلا انْتِهَاءٍ، لا يَفْنَى وَلا يَبـِيدُ، وَلا يَكُونُ إِلا مَا يُرِيدُ، لا تَبْلُغُهُ الأَوْهامُ، وَلا تُدْرِكُهُ الأَفْهامُ، وَلا تُشْبـِهُهُ الأَنامُ.
حَيٌّ لا يَمُوتُ، قَيُّومٌ لا يَنامُ، خَالِقٌ بـِلا حَاجَةٍ، رَازِقٌ لَهُمْ بـِلا مُؤْنَةٍ، مُمِيتٌ بـِلا مَخَافَةٍ، بَاعِثٌ بـِلا مَشَقَّةٍ. مَازالَ بـِصِفَاتِهِ قَدِيماً قَبْلَ خَلْقِهِ. لَمْ يَزْدَدْ بـِكَوْنِهِمْ شَيْئاً لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُمْ مِنْ صِفَاتِهِ، وَكَما كَانَ بـِصِفَاتِهِ أَزَلِيَّاً كَذلِكَ لا يَزَالُ عَلَيْهَا أَبَدِيَّاً. لَيْسَ مُنْذُ خَلَقَ الخَلْقَ اسْتَفَادَ اسْمَ الخَالِقِ، وَلا بـِإِحْدَاثِهِ البَرِيَّةَ اسْتَفَادَ اسْمَ البارِي، لَهُ مَعْنى الرُّبوبـِيَّةِ وَلا مَرْبوبٌ، وَمَعْنى الخَالِقِيَّةِ وَلا مَخْلوقٌ، وَكَمَا أَنَّهُ مُحْيِـي المَوْتَى بَعْدَما أَحْيَاهُمْ، اسْتَحَقَّ هَذا الاسْمَ قَبْلَ إِحْيائِهِمْ، كَذلِكَ اسْتَحَقَّ اسْمَ الخَالِقِ قَبْلَ إِنْشَائِهِمْ، ذلِكَ بـِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ إِلَيْهِ فَقِيرٌ، وَكُلُّ أَمْرٍ عَلَيْهِ يَسيرٌ، لا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ لـــَيْسَ كَمِثـــْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ.

خَلَقَ الخَلْقَ بـِعِلْمِهِ، وَقَدَّرَ لَهُمْ أَقْداراً، وَضَرَبَ لَهُمْ آجالاً، لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَفْعَالِهِمْ قَبْلَ أَنْ خَلَقَهُمْ، وَعَلِمَ مَا هُمْ عَامِلُونَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ، وَأَمَرَهُمْ بـِطَاعَتِهِ وَنَهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ يَجْرِي بـِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ. وَمَشِيئَتُهُ تَنْفُذُ، وَلا مَشِيئَةَ لِلْعِبَادِ إِلاَّ مَا شَاءَ لَهُمْ، فَمَا شَاءَ لَهُمْ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ.

يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَيَعْصِمُ وَيُعَافِي مَنْ يَشَاءُ فَضْلاً، وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَخْذُلُ وَيَبْتَلِي عَدْلاً. وَهُوَ مُتَعَالٍ عَنِ الأَضْدَّادِ وَالأَنْدَادِ لا رَادَّ لِقَضَائِهِ، وَلا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَلا غَالِبَ لأَمْرِهِ، آمَنَّا بِذلِكَ كُلِّهِ، وَأَيْقَنَّا أَنَّ كُلاًّ مِنْ عِنْدِهِ.
وَإِنَّ مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم عَبْدُهُ المُصْطَفَى، وَنَبـِيُّهُ المُجْتَبَى، وَرَسُولُهُ المُرْتَضَى، خَاتِمُ الأَنْبـِيَاءِ وَإِمَامُ الأَتْقِياءِ، وَسَيِّدُ المُرْسَلِينَ، وَحَبـِيبُ رَبِّ العَالَمِينَ، وَكُلُّ دَعْوَةِ نُبُوَّةٍ بَعْدَ نُبُوَّتِهِ فَغَيٌّ وَهَوَى؛ وَهُوَ المَبْعُوثُ إِلى عَامَّةِ الجِنِّ وَكَافَّةِ الوَرَى، المَبْعُوثِ بـِالحَقِّ وَالهُدَى.

وَإِنَّ القُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ تَعَالى، بَدَأَ بـِلا كَيْفِيَّةٍ قَوْلاً، وَأَنْزَلَهُ عَلَى نَبـِيِّهِ وَحْياً، وَصَدَّقَهُ المُؤْمِنُونَ عَلَى ذلِكَ حَقَّــاً، وَأَيْقَنُوا أَنَّهُ كَلامُ اللَّهِ تَعَالَى بـِالحَقِيقَةِ. لَيْسَ بـِمَخْلُوقٍ كَكَلامِ البَرِيَّةِ، فَمَنْ سَمِعَهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ كَلامُ البَشَرِ فَقَدْ كَفَرَ، وَقَدْ ذمَّهُ اللَّهُ تَعالَى وَعَابَهُ، وَأَوْعَدَهُ عَذابَهُ، حَيْثُ قَالَ: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ فَلَمَّا أَوْعَدَ اللَّهُ سَقَرَ لِمَنْ قَالَ: إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ عَلِمْنا أَنَّهُ قَوْلُ خَالِقِ البَشَرِ، وَلا يُشْبـِهُ قَوْلَ البَشَرِ، وَمَنْ وَصَفَ اللَّهَ تَعَالَى بـِمَعْنَىً مِنْ مَعَانِي البَشَرِ فَقَدْ كَفَرَ، فَمَنْ أَبْصَرَ هَذا اعْتَبَرَ، وَعَنْ مِثْلِ قَوْلِ الكُفَّارِ انْزَجَرَ، وَعَلِمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بـِصِفَاتِهِ لَيْسَ كَالبَشَرِ.
 وَالرُّؤْيَةُ حَقٌّ لأَهْلِ الجَنَّةِ بـِغَيْرِ إِحَاطَةٍ وَلا كَيْفِيَّةٍ، كَمَا نَطَقَ بـِهِ كِتَابُ رَبِّـنَا حَيْثُ قَالَ: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نــَّاضِرَةٌ  إِلَى رَبـِّها نَاظِرَةٌ وَتَفْسِيرُهُ عَلَى مَا أَرَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعَلِمَهُ، وَكُلُّ مَا جَاءَ فِي ذلِكَ مِنَ الحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ أَصْحَابـِهِ رِضْوانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَمَعْنَاهُ وَتَفْسِيرُهُ عَلَى مَا أَرَادَ، لا نَدْخُلُ فِي ذلِكَ مُتَأَوِّلِينَ بـِآرائِنَا وَلا مُتَوَهِّمِينَ بـِأَهْوَائِنا، فَإِنَّهُ مَا سَلِمَ فِي دِينِهِ إِلاَّ مَنْ سَلَّمَ لِلَّهِ تَعَالى وَلِرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم ; وَرَدَّ عِلْمَ مَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ إِلَى عَالِمِهِ، وَلا يَثْبُتُ قَدَمُ الإِسْلامِ إِلاَّ عَلَى ظَهْرِ التَّسْليمِ وَالاسْتِسْلامِ، فَمَنْ رَامَ عِلْمَ مَا حُظِرَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَقْنَعْ بـِالتَّسْليمِ فَهْمُهُ، حَجَبَهُ مَرَامُهُ عَنْ خَالِصِ التَّوْحيدِ، وَصَافِي المَعْرِفَةِ، وَصَحِيحِ الإِيمَانِ، فَيَتَذبْذبُ بَيْنَ الكُفْرِ وَالإِيْمَانِ، وَالتَّكْذِيبِ، وَالإِقْرَارِ وَالإِنْكَارِ، مُوَسْوَسَاً تَائِهَاً، زَائِغَاً شَاكَّــاً، لاَ مُؤْمِنَاً مُصَدِّقاً، وَلاَ جَاحِداً مُكَذِّباً.

وَلا يَصِحُّ الإِيمَانُ بـِالرُّؤْيَةِ لأَهْلِ دَارِ السَّلامِ لِمَنْ اعْتَبَرَهَا مِنْهُمْ بـِوَهْمٍ، أَوْ تَأَوَّلَهَا بـِفَهْمٍ، إِذا كَانَ تَأْوِيلُ الرُّؤْيَةِ وَتَأْوِيلُ كُلِّ مَعْنىً يُضَافُ إِلَى الرُّبُوبـِيَّةِ تَرْكَ التَأْويلِ وَلُزُومَ التَّسْلِيمِ، وَعَلَيْهِ دِينُ المُرْسَلينَ وَشَرَائِعُ النَّبـِيِّـينَ. وَمَنْ لَمْ يَتَوَقَّ النَّفْيَ وَالتَّشْبيهِ زَلَّ، وَلَمْ يُصِبِ التَّنْزِيهَ؛ فَإِنَّ رَبَّنا جَلَّ وَعَلا مَوْصُوفٌ بـِصِفَاتِ الوَحْدَانِيَّةِ، مَنْعُوتٌ بـِنُعُوتِ الفَرْدَانِيَّةِ، لَيْسَ بـِمَعْناهُ أَحَدٌ مِنَ البَرِيَّةِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنِ الحُدُودِ وَالغَاياتِ، وَالأَرْكانِ وَالأَدَواتِ، لا تَحْوِيهِ الجِهَاتُ السِّتُّ كَسَائِرِ المُبْتَدَعاتِ.
وَالمِعْرَاجُ حَقٌّ. وَقَدْ أُسْرِيَ بـِالنَّبـِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعُرِجَ بـِشَخْصِهِ فِي الْيَقَظَةِ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ إِلَى حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ العُلَى، وَأَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بـِمَا شَاءَ، فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى.
وَالْحَوْضُ الَّذِيْ أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بـِهِ غِيَاثَاً لأُمَّتِهِ حَقٌّ. وَالشَّفَاعَةُ الَّتِي ادَّخَرَهَا اللَّهُ لَهُمْ كَمَا رُوِيَ فِيْ الأَخْبَارِ. وَالْمِيْثَاقُ الَّذِيْ أَخَذهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ وَذُرِّيَّتِهِ حَقٌّ.
وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى فِيْمَا لَمْ يَزَلْ عَدَدَ مَنْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ، وَيَدْخُلِ النَّارَ جُمْلَةً وَاحِدَةً، لا يُزَادُ فِيْ ذلِكَ العَدَدِ وَلا يَنْقُصُ مِنْهُ؛ وَكَذلِكَ أَفْعَالَهُمْ، فِيْمَا عَلِمَ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَهُ. وَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ. 
وَالأَعْمَالُ بـِالخَوَاتِيْمِ، وَالسَّعِيْدُ مَنْْ سَعِدَ بـِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَىْ، وَالشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ بـِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَىْ.
وَأَصْلُ الْقَدَرِ سِرُّ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ، لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذلِكَ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، وَلا نَبـِيٌّ مُرْسَلٌ. وَالتَّعَمُّقُ وَالنَّظَرُ فِيْ ذلِكَ ذرِيْعَةُ الخِذلانِ، وَسُلَّمُ الْحِرْمَانِ، وَدَرَجَةُ الطُّغْيَانِ. فَالْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ ذلِكَ نَظَراً أَوْ فِكْراً أَوْ وَسْوَسَةً؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَىْ طَوَىْ عِلْمَ الْقَدَرِ عَنْ أَنَامِهِ، وَنَهَاهُمْ عَنْ مَرَامِهِ، كَما قالَ في كِتابـِهِ: لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يـَفْعَلُ وَهُمْ يـُسْأَلــُوْنَ. فَمَنْ سَأَلَ: لِمَ فَعَلَ؟ فَقَدْ رَدَّ حُكْمَ كِتابِ اللَّهِ، وَمَنْ رَدَّ حُكْمَ كِتابِ اللَّهِ تَعالى كَانَ مِنَ الكافِرينَ.
فَهذا جُمْلَةُ ما يَحْتاجُ إِلَيْهِ مَنْ هُوَ مُنَوَّرٌ قَلْبُهُ مِنْ أَوْلِياءِ اللَّهِ تَعالى، وَهِيَ دَرَجَةُ الرَّاسِخينَ في العِلْمِ؛ لأَنَّ العِلْمَ عِلْمانِ:
عِلْمٌ في الخَلْقِ مَوْجودٌ، وَعِلْمٌ في الخَلْقِ مَفْقودٌ؛ فَإِنْكارُ العِلْمِ المَوْجودِ كُفْرٌ، وَادِّعاءُ العِلْمِ المَفْقودِ كُفْرٌ.
وَلا يَصِحُّ الإِيمانُ إِلاَّ بـِقَبولِ العِلْمِ المَوْجودِ، وَتَرْكِ طَلَبِ العِلْمِ المَفْقودِ.
وَنُؤْمِنُ بـِاللَّوْحِ، وَالقَلَمِ، بـِجَميعِ ما فيهِ قَدْ رُقِمَ. فَلَوِ اجْتَمَعَ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عَلى شَيْءٍ كَتَبَهُ اللَّهُ فيهِ أَنَّهُ كائِنٌ لِيَجْعَلوهُ غَيْرَ كائِنٍ لَمْ يَقْدِروا عَلَيْهِ. جَفَّ القَلَمُ بـِما هُوَ كائِنٌ إِلى يَوْمِ القِيامَةِ. وَما أَخْطَـأَ العَبْدَ لَمْ يَكُنْ لِيُصيبَهُ، وَما أَصابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ.
وَعَلى العَبْدِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ سَبَقَ عِلْمُهُ في كُلِّ شَيْءٍ كائِنٍ مِنْ خَلْقِهِ، وَقَدَّرَ ذلِكَ بـِمَشيئَتِهِ تَقْديراً مُحْكَماً مُبْرَماً، لَيْسَ فيهِ ناقِضٌ وَلا مُعَقِّبٌ، وَلا مُزيلٌ وَلا مُغَـيِّرٌ، وَلا مُحَوِّلٌ، وَلا زَائِدٌ وَلا ناقِصٌ مِنْ خَلْقِهِ في سَماواتِهِ وَأَرْضِهِ. وَذلِكَ مِنْ عَقْدِ الإِيمانِ وَأُصولِ المَعْرِفَةِ، وَالاعْتِرافِ بـِتَوْحيدِ اللَّهِ وَرُبوبـِيَّتِهِ؛ كَما قالَ تَعالى في كِتابـِهِ العَزيزِ: وَخَلَقَ كــُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تــَقْدِيــْرَاً، وَقالَ تَعالى: وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَرَاً مَقْدُورَاً. فَوَيْلٌ لِمَنْ صارَ لَهُ اللَّهُ في القَدَرِ خَصيماً، وَأَحْضَرَ لِلنَّظَرِ فيهِ قَلْباً سَقيماً، لَقَدِ الْتَمَسَ بـِوَهْمِهِ في مَحْضَ الْغَيْبِ سِرَّاً كَتيماً، وَعادَ بـِما قَال فيهِ أَفَّـاكاً أَثيماً.
وَالعَرْشُ وَالكُرْسِيُّ حَقٌّ. وَهُوَ عَزَّ وَجَلَّ مُسْتَغْنٍ عَنِ العَرْشِ وَما دونَهُ، مُحيطٌ بـِكُلِّ شَيْءٍ وَبـِما فَوْقَهُ، قَدْ أَعْجَزَ عَنِ الإِحاطَةِ خَلْقَهُ.
وَنَقولُ: إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذ َ إِبْراهيمَ خَليلاً، وَكَلَّمَ موسى تَكْليماً، إِيماناً وَتَصْديقاً وَتَسْليماً.
وَنُؤْمِنُ بـِالمَلائِكَةِ وَالنَّبـِيِّـينَ، وَالكُتُبِ المُنْزَلَةِ عَلى المُرْسَلينَ. وَنَشْهَدُ أَنَّهُم كانوا عَلى الحَقِّ المُبينِ. وَنُسَمِّي أَهْلَ قِبْلَتِنا مُسْلِمينَ مُؤْمِنينَ ما دامُوا بـِما جاءَ بـِهِ النَّبـِيُّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ مُعْتَرِفينَ، وَلَهُ بـِكُلِّ ما قالَ وَأَخْبَرَ مُصَدِّقينَ غَيْرَ مُكَذبِّينَ.
     وَلا نَخوضُ في اللَّهِ،
 وَلا نُماري في دينِ اللَّهِ تَعالى.
وَلا نُجادِلُ في القُرْآنِ؛ وَنَعْلَمُ أَنَّهُ كَلامُ رَبِّ العالَمينَ، نَزَلَ بـِهِ الرُّوحُ الأَمينُ، فَعَلَّمَهُ سَيِّدَ المُرْسَلينَ، مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ أَجْمَعينَ. وَكلامُ اللَّهِ تَعالى لا يُساويهِ شَيْءٌ مِنْ كَلامِ المَخْلوقينَ. وَلا نَقولُ بـِخَلْقِ القُرْآنِ؛ وَلا نُخالِفُ جَماعَةَ المُسْلِمينَ.
ولا نَقولُ: لا يَضُرُّ مَعَ الإِسْلامِ ذنْبٌ لِمَنْ عَمِلَهُ؛ وَنَرْجو لِلْمُحْسِنينَ مِنَ المُؤْمِنينَ، وَلا نَأْمَنُ عَلَيْهِمْ، وَلا نَشْهَدُ لَهُمْ بالجَنَّةِ، وَنَسْتَغْفِرُ لِمُسيئِهمْ. وَنَخافُ عَلَيْهِمْ وَلا نُقَنِّطُهُمْ. وَالأَمْنُ وَالإِياسُ يَنْقُلانِ عَنِ المِلَّةِ؛ وَسَبيلُ الحَقِّ بَيْنَهُما لأَهْلِ القِبْلَةِ،
وَلا يَخْرُجُ العَبْدُ مِنَ الإِيمانِ إِلاَّ بِجُحودِ ما أَدْخَلَهُ فيهِ.
وَالإِيمانُ هُوَ الإِقْرارُ بِاللِّسانِ وَالتَّصْديقُ بِالجَنانِ،
وَأَنَّ جَميعَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ في القُرْآنِ، وَجَميعَ ما صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الشَّرْعِ وَالبَيانِ كُلُّهُ حَقٌّ. 
وَالمُؤْمِنونَ كُلُّهُمْ أَوْلِياءُ الرَّحْمنِ، وَأَكْرَمُهُمْ أَطْوَعُهُمْ وَأَتْبَعُهُمْ لِلْقُرْآنِ.
وَالإِيمانُ: هُوَ الإِيمانُ باللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبهِ وُرُسُلِهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَالبَعْثِ بَعْدَ المَوْتِ، وَالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ؛ وَحُلْوُهِ وَمُرُّهِ مِنَ اللَّهِ تَعالى.
وَنَحْنُ مُؤْمِنونَ بذلِكَ كُلِّهِ، وَلا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ، وَنُصَدِّقُهُمْ كُلَّهُمْ عَلى ما جاءوا بهِ.
وَأَهْلُ الكَبائِرِ مْنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم في النَّارِ لا يُخَلَّدونَ إِذا ماتوا، وَهُمْ مُوْحِّدونَ وَإِنْ لَمْ يَكونُوا تائِبينَ بَعْدَ أَنْ لَقُوا اللَّهَ عارِفينَ مُؤْمِنينَ، وَهُمْ في مَشيئَتِهِ وُحْكْمِهِ إِنْ شاءَ غَفَرَ لَهُمْ، وَعَفا عَنْهُمْ بفَضْلِهِ، كَما قالَ تَعالى في كِتابهِ العَزيزِ: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بهِ وَيغْفِرُ مَا دُوْنَ ذلكَ لِمَنْ يشَاءُ. وَإِنْ شاءَ عَذبَّهُمْ في النَّارِ بقَدْرِ جنايَتِهِمْ بعَدْلِهِ، ثُمَّ يُخْرِجُهُمْ مِنْها برَحْمَتِهِ وَشَفاعَةِ الشَّافِعينَ مِنْ أَهْلِ طاعَتِهِ، ثُمَّ يَبْعَثُهُمْ إِلى جَنَّتِهِ، وَذلِكَ بأَنَّ اللَّهَ مَوْلى أَهْلِ مَعْرِفِتِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْهُمْ في الدَّارَيْنِ كَأَهْل نُكْرَتِهِ الَّذينَ خابُوا مِنْ هِدايَتِهِ، وَلَمْ يَنالُوا مِنْ وِلايَتِهِ. اللَّهُمَّ يا وَلِيَّ الإِسْلامِ وَأَهْلِهِ مَسِّكْنا بالإِسْلامِ حَتَّى نَلْقاكَ بهِ.
وَنَتَّبعُ السُّنَّةَ وَالجَماعَةَ، وَنَجْتَنِبُ الشُّذوذ َ وَالخِلافَ وَالفُرْقَةَ. وَنُحِبُّ أَهْلَ العَدْلِ وَالأَمانَةِ، وَنُبْغِضُ أَهْلَ الجَوْرِ وَالخِيانَةِ.
وَنَرى المَسْحَ عَلى الخُفَّيْنِ في السَّفَرِ وَالحَضَرِ، كَما جاءَ في الأَثَرِ. وَالحَجُّ وَالجهادُ فَرْضانِ ماضِيانِ مَعَ أُوْلي الأَمْرِ مِنْ أَئِمَّةِ المُسْلِمينَ بَرِّهِمْ وَفاجرِهِمْ لا يُبْطِلُهُما شَيْءٌ، وَلا يَنْقُضُهُما.
وَنُؤْمِنُ بالكِرامِ الكاتِبينَ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَهُمْ حافِظينَ.
وَنُؤْمِنُ بمَلَكَ المَوْتِ المُوَكَّلِ بقَبْضِ أَرْواحِ العالَمينَ.
وَبعذابِ القَبْرِ لِمَنْ كانَ لَهُ أَهْلاً.
وَبسُؤالِ مُنْكَرٍ وَنَكيرٍ لِلمَيِّتِ في قَبْرِهِ عَنْ رَبِّهِ وَدينِهِ وَنَبيِّهِ، عَلى ما جاءَتْ بهِ الأَخْبارُ عَنْ رَسولِ رَبهِ صلى الله عليه وسلم، وَعَنِ الصَّحابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعينَ.
وَالقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِياضِ الجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ.
وَنُؤْمِنُ بالبَعْثِ وَبجزاءِ الأَعْمالِ يَوْمَ القِيامَةِ، وَالعَرْضِ وَالحِسابِ، وَقِراءَةِ الكِتابِ، وَالثَّوابِ وَالعِقابِ، وَالصِّراطِ.
وَالميزانِ يُوزَنُ بهِ أَعْمالُ المُؤْمِنينَ مِنْ الخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالطَّاعَةِ وَالمَعْصِيَةِ.
وَالجَنَّةُ وَالنَّارُ مَخْلوقَتانِ لا يَفْنَيانِ، وَلا يَبيدانِ.
وَإِنَّ اللَّهَ تَعالى خَلَقَ الجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَخَلَقَ لَهُما أَهْلاً.
فَمَنْ شاءَ إِلى الجَنَّةِ أَدْخَلَهُ فَضْلاً مِنْهُ، وَمَنْ شاءَ مِنْهُمْ إِلى النَّارِ أَدْخَلَهُ عَدْلاً مِنْهُ.
وَكُلٌّ يَعْمَلُ لِما قَدْ فُرِغَ مِنْهُ، وَصائِرٌ إِلى ما خُلِقَ لَهُ.
وَالخَيْرُ وَالشَّرُ مُقَدَّرانِ عَلى العِبادِ، وَالاسْتِطاعَةُ الَّتي يَجبُ بها الفِعْلُ مِنْ نَحْوِ التَّوْفيقِ الَّذي لا يَجُوزُ أَنْ يُوْصَفَ المَخْلوقُ بها تَكونُ مَعَ الفِعْلِ، وَأَمَّا الاسْتِطاعَةُ مِنَ الصِّحْةِ وَالْوُسْعِ وَالتَّمَكُّنِ، وَسلامَةِ الآلاتِ فَهِيَ قَبْلَ الفِعْلِ، وَبها يَتَعَلَّقُ الخِطابُ، وَهُوَ كَما قالَ اللَّهُ تَعالى: لاَ يكَلفُ الْلَّهُ نفْسَاً إِلاَّ وُسْعَهَا
وَأَفْعالُ العِبادِ هِيَ بخَلْقِ اللَّهِ تَعالى وَكَسْبٍ مِنَ العِبادِ.
وَلَمْ يُكَلِّفْهُمُ اللَّهُ تَعالى إِلاَّ ما يُطِيْقُوْنَ، وَلا يُطِيْقُوْنَ إِلاَّ ما كَلَّفَهُمْ، وَهُوَ حاصِلُ تَفْسيرِ قَوْلِ "لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ"، تَقولُ: لا حِيلَةَ وَلا حَرَكَةَ لأَحَدٍ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إِلاَّ بمَعُونَةِ اللَّهِ؛ وَلا قُوَّةَ لأَحَدٍ عَلى إِقامَةِ طاعَةٍ وَالثَّباتِ عَلَيْها إِلاَّ بتَوْفيقِ اللَّهِ.
وَكُلُّ شَيْءٍ يَجْري بمَشيئَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعِلْمِهِ وَقَضائِهِ وَقَدَرَهِ.
غَلَبَتْ مَشيئَتُهُ المَشيئاتِ كُلَّها، وَغَلَبَ قَضاؤُهُ الحِيَلَ كُلَّها، يَفْعَلُ ما شاءَ وَهُوَ غَيْرُ ظالِمٍ أَبَداً.
تَقَدَّسَ عَنْ كُلِّ سُوءٍ، وَتَنَزَّهَ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ وَشَيْنٍ، لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يفْعَلُ وَهُمْ يسْأَلوْنَ
وَفي دُعاءِ الأَحْياءِ للأَمْواتِ وَصَدَقَتَهِمْ مَنْفَعَةٌ لِلأَمْواتِ.
وَاللَّهُ تَعالى يَسْتَجيبُ الدَّعَواتِ، وَيَقْضي الحاجاتِ، وَيَمْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ، وَلا يَمْلِكُهُ شَيْءٌ.
وَلا يُسْتَغْنى عَنِ اللَّهِ تَعالى طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَمَنِ اسْتَغْنَى عَنِ اللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ فَقَدْ كَفَرَ، وَصارَ مِنْ أَهْلِ الخُسْرانِ.
وَإِنَّ اللَّهَ تَعالى يَغْضَبُ وَيَرْضَى لا كَأَحَدٍ مِنَ الوَرَى.
وَنُحِبُ أَصْحابَ النَّبيِّ ، وَلا نُفَرِّطُ في حُبِ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَلا نَتَبَرَّأُ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ. وَنُبْغِضُ مَنْ يُبْغِضُهُمْ، وَبغَيْرِ الْحَقِ لا نَذكُرُهُمْ؛ وَنَرى حُبَّهُمْ ديناً وَإِيماناً وَإِحْساناً، وَبُغْضَهُمْ كُفْراً وَشِقاقاً وَنِفاقاً وَطُغْياناً.
وَنُثْبتُ الخِلافَةَ بَعْدَ النَّبيِّ  أَوَّلاً لأَبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَفْضيلاً وَتَقْديماً عَلَى جَميعِ الأُمَّةِ، ثُمَّ لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ثُمَّ لِعُثْمانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ثُمَّ لِعَلِيٍّ بْنِ أَبي طالِبٍ رِضْوانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعينَ. وَهُمُ الخُلَفاءُ الرَّاشِدونَ، وَالأَئِمَّةُ المَهْدِيُّونَ، الَّذينَ قَضَوْا بالحَقِّ وَكانُوا بهِ يَعْدِلونَ.
وَإِنَّ العَشَرَةَ الَّذينَ سَمَّاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ  نَشْهَدُ لَهُمْ بالجَنَّةِ كَما شَهِدَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ  وَقَوْلُهُ الحَقِّ، وَهُمْ: أَبو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمانُ وَعَلِيٌ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدٌ وَسَعيدٌ وَعَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَوْفٍ وَأَبو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ، وَهُوَ أَمينُ هذِهِ الأُمَّةِ رِضْوانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعينَ. وَمَنْ أَحْسَنَ القَوْلَ في أَصْحابِ النَّبيِّ  وَأِزْوَاجهِ وَذرِّيَّاتِهِ فَقَدْ بَرِئَ مِنَ النِّفاقِ.
وَعُلَماءُ السَّلَفِ مِنَ الصَّالِحينَ وَالتَّابعينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الخَيْرِ وَالأَثَرِ، وَأَهْلِ الفِقْهِ وَالنَّظَرِ، لا يُذكَرُونَ إِلاَّ بالجَميلِ، وَمَنْ ذكَرَهُمْ بسوءٍ فَهُوَ عَلى غَيْرِ السَّبيلِ.
وَلا نُفَضِّلُ أَحَداً مِنَ الأَوْلِياءِ عَلى أَحَدٍ مِنَ الأَنْبياءِ. وَنَقولُ: نَبيٌّ واحِدٌ أَفْضَلُ مِنْ جَميعِ الأَوْلِياءِ، وَنُؤْمِنُ بما جاءَ مِنْ كَراماتِهِمْ، وَصَحَّ عَنِ الثِّقاتِ مِنْ رِوايَتِهِمْ.
وَنُؤْمِنُ بأَشْراطِ السَّاعَةِ مِنْها: خُروجُ الدَّجَّالِ، وَنُزولُ عيسى عَلَيْهِ السَّلامُ مِنَ السَّماءِ، وَبطُلوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبها، وَخُروجِ دَابَّةِ الأَرْضِ مِنْ مَوْضِعِها.
وَلا نُصَدِّقُ كاهِناً وَلا عَرَّافاً، وَلا مَنْ يَدَّعي شَيْئاً بخِلافِ الكِتابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْماعِ الأُمَّةِ.
وَنَرى الجَماعَةَ حَقَّاً وَصَواباً، وَالفُرْقَةَ زَيْغاً وَعَذاباً.
وَدِينُ اللَّهِ في السَّماءِ وَالأَرْضِ واحِدٌ وَهُوَ دِينُ الإِسْلامِ، كَما قالَ اللَّه تَعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ الْلَّهِ الإِسْلامُ، وَقالَ تَعالى: وَمَنْ يبْتغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينَاً فَلَنْ يقْبَلَ مِنْهُ، وَقالَ تَعالى: وَرَضِيْتُ لكُمُ الإِسْلامَ دِينَاً، وَهُوَ بَيْنَ الغُلُوِّ وَالتَّقْصيرِ، وَالتَّشْبيهِ وَالتَّعْطيلِ، وَالجَبْرِ وَالقَدَرِ، وَالأَمْنِ وَاليَأْسِ.
فَهذا دِينُنا وَاعْتِقادُنا، ظاهِراً وَباطِناً.
وَنَحْنُ نَبْرَأُ إِلى اللَّهِ تَعالى مِمَّنْ خالَفَ الَّذي ذكَرْناهُ، وَبَيَّناهُ.
وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعالى أَنْ يُثَبِّتَنا عَلَيْهِ وَيَخْتِمَ لَنا بهِ، وَيَعْصِمَنا مِنَ الأَهْواءِ المُخْتَلِطَةِ وَالآراءِ المُتَفَرِّقَةِ، وَالمَذاهِبِ الرَّدِيَّةِ، كَالمُشَبِّهَةِ وَالجَهْمِيَّةِ وَالجَبْرِيَّةِ وَالقَدَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ خالَفَ السُّنَّةَ وَالجَماعَةَ، وَاتَّبَعَ البدْعَةَ وَالضَّلالَةَ، وَنَحْنُ مِنْهُمْ بَراءٌ، وَهُمْ عِنْدَنا ضُلاَّلٌ وَأَرْدِياءُ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بالصَّوابِ، وَإِلَيْهِ المَرْجعُ وَالمَآبُ.

 

Label 1

More on this category »

Label 2

More on this category »

Label 3

More on this category »
 
Support : Creating Website | Johny Template | Mas Template
Copyright © 2011. test - All Rights Reserved
Template Modify by Creating Website
Proudly powered by Blogger